الطريق إلى الجنة لا يمر عبر البيت الأبيض ولا عبر الكرملين بل يمر عبر ضمير الإنسانية الذى يجب أن ينهض لوقف المجزرة. فى أحدث حلقات مسلسل «العبثية السياسية» التى يصدرها ساكن البيت الأبيض بين الحين والآخر، أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن وساطته للسلام بين روسياوأوكرانيا قد تكون «تذكرته الذهبية» لدخول الجنة! هذا التصريح «الإيمانى» جاء خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، حيث قال ترامب مازحاً - أو جاداً أنه يشعر وكأنه فى «أسفل السلم» للوصول إلى الجنة، لكن إنقاذه لأرواح الناس فى أوكرانيا قد يمنحه فرصة ذهبية للصعود! ما يثير السخرية فى هذا المشهد هو أن ترامب، الذى تورط فى فضائح أخلاقية وقانونية عديدة، يبحث الآن عن «شرعية سماوية « عبر وساطة سلام فى أوكرانيا، بينما يتغاضى الرئيس الباحث عن الجنة عن أهوال جحيم حقيقى يدور فى غزة منذ أكثر من عامين. فبينما يتفاخر بأنه عمل على إيقاف 6 حروب كما تباهى - وهو بحد ذاته هدف نبيل - فإن حكومته تواصل دعم آلة الحرب الإسرائيلية التى تسحق أطفال غزة تحت أنقاض البيوت والدبابات وتجعلهم يواجهون كل صور المجاعة البشعة بل وتنكر وجودها. ترامب الذى يطمح إلى الجنة وجائزة نوبل للسلام، لم يغضب يوماً على مجزرة واحدة فى فلسطين، ولم يستخدم نفوذه لوقف جنون نتنياهو الذى حول غزة إلى مقبرة جماعية ودهس تحت قدميه كتاب حقوق الإنسان الأمريكى والاوروبى والعالمى أسفل قدميه. هل يخبر أحدهم الرئيس ترامب أن الطريق الى الجنة لا يبدأ من بوابة أوكرانيا فقط بل عليه أولا أن يغلق باب الجحيم المستعر فى غزة أليس تلك أرض السيد المسيح وبها أهم المقدسات المسيحية ألم يخبره بابا الفاتيكان أن عليه وقف مذبحة الاطفال فى أرض بيت لحم ألم يخبر أحدهم ترامب كيف سيدخل الجنة وهو يرى الاطفال والنساء والشيوخ يموتون بسبب نقص الطعام والماء وبسبب أطنان الصواريخ الأمريكية التى يدفع ثمنها دافعو الضرائب الأمريكيون.. هل يتوقع السيد ترامب أن يدخل الجنة بصفقة أو صك غفران ؟! الطريق إلى جنة ترامب مليئ بالتناقضات ومفروش بالنفاق الدولى فهو يريد أن يدخل الجنة من بوابة أوكرانيا بينما يغلق كل الأبواب والنوافذ أمام غزة.. يريد أن يكسب رضا السماء وهو يغض الطرف عن جرائم الأرض. ما يغفله ترامب أن طريق الجنة الحقيقى يبدأ من حيث توجد الإنسانية والتسامح فكيف يطلب الجنة وهو يرى بأم عينيه أطفال غزة يموتون جوعا تحت القصف الأمريكى الإسرائيلى كيف يطمع فى الجنة وهو يسمع صرخات الأمهات الثكالى فى رفح وخان يونس ولا يحرك ساكنا كيف يتحدث عن الروحانيات وهو يوقع على صفقات الأسلحة التى تذبح الأبرياء كل يوم. الجنة التى يبحث عنها ترامب ليست جنة الضمير والإنسانية بل هى جنة المصالح والانتخابات جنة استمالة اليمين الدينى الأمريكى جنة الشعارات البراقة والأكاذيب الكبيرة.. الجنة الحقيقية فى مختلف الديانات السماوية طريقها يبدأ من العدل والحرية والكرامة يبدأ من وقف النفاق الدولى الذى يدعى السلام فى أوكرانيا ويغذى الحرب فى غزة يبدأ من رفض المعايير المزدوجة التى تدين عدوان وتبرر آخر يبدأ من رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم تحت أى ذريعة. الطريق إلى الجنة لا يمر عبر البيت الأبيض ولا عبر الكرملين بل يمر عبر ضمير الإنسانية الذى يجب أن ينهض لوقف المجزرة أن غزة ليست مجرد مدينة بل هى ضمير العالم عندما نعترف أن غزة ليست رقمًا فى معادلات السياسة بل هى اختبار للإنسانية جمعاء. فليبحث ترامب عن جنة أخرى فجنة العدل والحرية لن تفتح أبوابها لمن يدوس على قيمها بأقدام المصالح والسياسات المزدوجة.