لم يعف الموت غزة يوما من حضوره على مدى ال15 شهرا الماضية، ومخطئ من يعتقد أن القصف الوحشي الاسرائيلي هو السبب الوحيد للموت، بل إن الموت هناك فى القطاع المنكوب له أسباب عديدة أتاحها جميعها الإرهاب الإسرائيلي، الذي يُمارس على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وسط افتقاد الرغبة السياسية الحقيقية لدى داعمى الاحتلال فى الغرب بوقف دعمهم، وكانت المشاهد المؤلمة التى نقلت خلال الأيام الأخيرة من غزة المحتضرة قد كشفت مدى قسوة الحياة وقسوة الموت على السواء، فالأطفال، لاسيما الرضع، يحتضرون ويتوفون بفعل البرد القارس الذي ينهش الأجساد ويؤلمها كحد سكين يقطع أجزاء الجسد واحدًا تلو الآخر. ◄ مطالب محتملة من اليمين الإسرائيلي لترامب بالتخلي عن خطته للسلام ◄ الرئيس الجديد مستعد للسماح لإسرائيل بضم الضفة حتى وقت كتابة هذه السطور، توفى 7 رضع بسبب البرد، وسط نظرات الحسرة والألم من الآباء الذين لا حول لهم ولا قوة، وجل أملهم أن يكون فلذة أكبادهم قد نجوا بهذا الخلاص من جحيم الاحتلال فى القطاع إلى جنة الله الواسعة وارتقوا إلى معية أرحم الراحمين، وربما يكون سؤال: «ما ذنب الأطفال؟» هو أكثر ما تردد منذ اندلاع هذا العدوان الوحشي الإرهابي على القطاع فى 7 أكتوبر 2023، لكنها أسئلة لا إجابات لها. ويتشبث كل ما كان له قلب بالأنباء المتواترة بين وقت وآخر عن الصفقة المأمولة لتبادل الأسرى في القطاع، وهناك عدة ملاحظات في هذا الصدد، أولًا أن هذه الصفقة التي طال انتظارها ربما لن ترى النور قبل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في واشنطن فى العشرين من يناير الجاري، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ربما لن يريد أبدا منح هذه الهدية السياسية للرئيس الأمريكي الحالى جو بايدن، ورغم أن أمريكا فى عهد بايدن لم تدخر جهدا فى دعم إسرائيل، إلا أن نتنياهو يرى أنها لم تدعمه بما يكفي، وبالتالى فلن يمنح نتنياهو أبدًا بايدن هذا «الشرف الدبلوماسي»، وكيف يمنحه وهو الذي يبدو أنه تخلى عن ردع المحكمة الجنائية الدولية عن إصدار مذكرتي اعتقال بحقه هو نتنياهو ووزير دفاعه يواف جالانت بعد أيام من خسارة الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة الأمريكية. ◄ اليمين المنفلت الملاحظة الثانية، هي أن نتنياهو يبدو أخيرًا وكأنه وجد طريقه لإقناع أئمة اليمين المنفلت فى حكومته -وزير الأمن الداخلى إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسئيل سموتريتش- بأنه «مُجبر» على قبول صفقة يتم بموجبها تبادل الأسرى، بوصفها «رغبة شديدة لترامب» العائد للبيت الأبيض، وفى المقابل، يعكف بن غفير وسموتريتش من جهتهما على صياغة مطالبهما من ترامب فى مقابل الموافقة على صفقة لتبادل الأسرى، بعد أن كانت هذه الموافقة ضربا من ضروب الخيال خلال الأشهر الماضية. وكانت تقارير عبرية، قد أشارت إلى مطالب محتملة من اليمين الإسرائيلي لترامب بالتخلى تماما عن ترديده هدف إقامة دولة فلسطينية، على غرار ما كان اقترحه فى خطته للسلام المعروفة إعلاميا بصفقة القرن عام 2020. لكن ربما أهم الملاحظات على هذه الصفقة هو التشكك الأكيد بأنها لن تنهي الحرب، وذلك لسببين أولهما أنه حتى لو تعهد نتنياهو بقبول أن تكون الصفقة مشتملة فى أحد مراحلها على إنهاء العدوان على القطاع، وهو مطلب حماس للموافقة من جانبها على الصفقة، فلن يجد من القوة ما يلزمه باحترام تعهداته وسيظل استئناف القتال شبحا يخيم على الأهالي المنكوبين، أما السبب الثاني وهو الأهم فهو أن نتنياهو ومن ورائه إسرائيل، الداعمة بإخلاص له، لن يجد فرصة أفضل من وجهة نظره لخوض مساعٍ ومحاولات توسيع أرض إسرائيل عبر مزيد من الإرهاب والاحتلال والاستيطان والسرقة، وبعد أن تخلت إسرائيل عن القناع التاريخي بأنها ضحية محارق النازيين، وهو قناع بالمناسبة ابتزت به تاريخيا الدول والشعوب وحصلت على أموال ودعم لا تستحقه، وكشفت بكل وقاحة عن وجهها الحقيقي القبيح كبلد مستعمر إرهابي لا يأبه لأى قوانين دولية أو أعراف إنسانية، فستكمل ما بدأته للنهاية. ◄ اقرأ أيضًا | إسرائيل تأكل أراضي سوريا.. مخطط دويلات الأقليات يخدم الدولة اليهودية ◄ وقف مؤقت نتنياهو نفسه فى الشهور الأولى للحرب قال إن إسرائيل ستكمل فى طريقها حتى ولو لم تجد أى دعم لها من أى منطقة فى العالم، على أن تسوي الأزمات الدبلوماسية فى وقت لاحق، ويبدو أن كل الوقف المنشود فى إطلاق النار ستجعل منه دولة الاحتلال وقفا مؤقتا، تلتقط فيه أنفاسها هي وتروج فيه للداخل أنها منتصرة، وترضي معارضتها وتسكت رأيها العام، وذلك حتى تتمم خططها للمرحلة التالية من حربها الواسعة. لن تجد إسرائيل ذريعة أفضل من هجمات حماس فى 7 أكتوبر، وهي الهجمات التى تجاهلت التحذير منها، لتبرر حملة تاريخية من الإرهاب والوحشية فى تاريخ الإنسانية، وتنتظر إسرائيل بفارغ الصبر قدوم ترامب للحكم، لكي يشاركها التخطيط حول أفضل سبل تحقيق ما تصبو إليه، وكان تحليل نشره مجلس العلاقات الخارجية اعتبر أن قدوم ترامب يمثل كارثة لقضية غزة. أما عن ملامح سياسة إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط، فقد أجملها تقرير مجلس العلاقات الخارجية فى تحليله بالقول إن ثمة مؤشرات على سيطرة المتشددين المؤيدين لإسرائيل على إدارة ترامب الجديدة، مما يترك الفلسطينيين بلا أمل في العدالة. وقد يمكن للقادة الأوروبيين أن يوازنوا ذلك بدعم تقرير المصير الفلسطيني وفرض المساءلة. وتعهد ترامب بجلب السلام إلى الشرق الأوسط، لكن عودته إلى البيت الأبيض من المحتمل أن تجلب لغزة المزيد من الموت والدمار، فهو بالفعل يمطر إسرائيل بتصريحات دعم مطلق، ويملأ إدارته ببعض من أكثر المتشددين المؤيدين لإسرائيل، ومُنذ فوزه بإعادة الانتخاب، سارع ترامب إلى تعيين مجموعة من المتشددين المؤيدين لإسرائيل في إدارته، ممن يُعارضون بشدة وقف إطلاق النار في غزة ويدعمون ضم إسرائيل للضفة الغربية مايك هاكابي، المسيحي الإنجيلي المحافظ والمؤيد القوي لإسرائيل، سيصبح السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، وقد صرح بأن «الفلسطينيين ليسوا شعبًا حقيقيًا»، ووصف حل الدولتين بأنه «غير عقلاني وغير قابل للتطبيق». اختيار ترامب لمستشاره للأمن القومي، مايك والتز، دعا الإدارة المقبلة إلى السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة ضد حماس في غزة، أما وزير خارجيته ماركو روبيو، ووزير دفاعه بيت هجزث، فكلاهما يحمل وجهات نظر مشابهة، وإذا ضغطت هذه الإدارة لوقف الحرب في غزة، فمن المرجح أن تكون بشروط رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، مثل الإبقاء على الاحتلال العسكري الإسرائيلي لغزة وترسيخ احتلال الضفة الغربية، ومن دون ضغوط من القادة الأوروبيين والعرب، فإن الولاياتالمتحدة لن تضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات. ◄ البطة العرجاء وسيكون ترامب مُستعدًا على الأرجح للسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية إذا أنهت الحرب في غزة، وأي اتفاق بين ترامب ونتنياهو بشأن مُستقبل غزة سيبنى على خطة ترامب للسلام ل2020، التي تضفي الشرعية على ضم إسرائيل وإخضاع الفلسطينيين، ومن الصعب تخيل أن يتخلى ترامب عن خطة تحمل اسمه لتشمل مطالب الفلسطينيين. آمال القيادة الفلسطينية في أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جو بايدن، باستخدام الفترة التي تسبق تنصيب ترامب لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية في غزة، بغير أساس، فبين 5 نوفمبر، تاريخ انتخاب رئيس أمريكي جديد، و20 يناير، موعد تسلمه المنصب، يصبح الرئيس المنتهية ولايته في وضع «البطة العرجاء»، حيث تتراجع سلطته ولكن يتحرر من الضغوط الانتخابية أو الطموحات السياسية، وقد تكون أي إجراءات أمريكية الآن بمثابة رسالة معيارية مهمة لمحاسبة إسرائيل، وقد تشجع الدول الأوروبية على تبني إجراءات مماثلة، حتى لو عكس ترامب أي تحركات يتخذها بايدن خلال هذه الفترة، ومع ذلك، فإن الأمل في أي تحرك أمريكي خلال الأيام القادمة يبدو مخيبًا. ورغم الاختلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن كلا الحزبين مؤيد لإسرائيل بشكل جوهري، مستشارو بايدن، مثل بريت ماكغورك، وجيك سوليفان، وأنتوني بلينكن، وكامالا هاريس، جميعهم يدعمون إسرائيل. يبدو أن الرئيس المنتهية ولايته يرى أن أي تغيير في السياسة تجاه إسرائيل في اللحظة الأخيرة قد يلطخ إرثه بدلاً من تحسينه، وفي الواقع، مواقف بايدن تتماشى مع الإدارة المقبلة، مما يعزز شعور إسرائيل بالإفلات من العقاب ويجعل من الصعب الضغط عليها للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس أو كبح أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية، وقبل أيام، كرر ترامب تحذيره لحماس بإطلاق سراح الأسرى المحتجزين في غزة، خلال احتفال رأس السنة الميلادية في منتجعه مارلاجو بولاية فلوريدا. ◄ تهديد ترامب وحول وقف إطلاق النار المحتمل وصفقة التبادل، والتى يبدو أن المحادثات بشأنها تعثرت، صرح ترامب قائلًا: «سنرى ما سيحدث»، قبل أن يُضيف: «سأضع الأمر على هذا النحو.. من الأفضل لهم أن يسمحوا للأسرى بالعودة قريبًا، وإلا لن يكون الأمر لطيفًا»، ووجه ترامب تهديدًا مماثلًا لأول مرة فى المؤتمر الوطني الجمهورى فى يوليو، وكرره مرة أخرى الشهر الماضى، قائلًا حينها إن الجحيم سيفتح أبوابه في الشرق الأوسط، وأولئك المسئولين الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية، إذا لم يتم إطلاق سراح الأسرى بحلول الوقت الذى يتولى فيه منصبه، وقال وسطاء لصحيفة وول ستريت جورنال قبل أيام إن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، حيث ضاعف كل جانب من الجانبين مطالبه التى لن يقبلها الآخر، ووفقًا للتقرير، أصرت إسرائيل على إطلاق سراح الرهائن الأحياء فقط فى المرحلة الأولى من الصفقة المُحتملة، بينما أصرت حماس على أن أول 30 رهينة يعودون يشملون جثثًا كما عادت إلى مطلبها بأن تؤدي الصفقة إلى نهاية دائمة للقتال، وهو ما ترفض إسرائيل الالتزام به.