«الوطن وسيلة وليس غاية».. هكذا وضع حسن البنا، الأساس الفكرى لتنظيم الإخوان منذ نحو 100 عام، ضاربًا بذلك فكرة الارتباط بالوطن فى عقول أتباعه، حيث أصبح وهم «أستاذية العالم»، السراب الذى يسعون وراءه، بينما دفعت العديد من الدول، ضريبة الانجرار وراء تلك الأفكار المضللة. ورغم تعدد الأقنعة التى يرتديها تنظيم الإخوان بحسب البلد المتواجد فيه، إلا أن جوهر عدم الاكتراث بالدولة القومية والتركيز على أهداف التنظيم قبل الوطن، هو ما يجمع أصحاب الفكر الإخوانى بكافة الدول، لذلك تشابهت قصة تخريب الأوطان فى كل بلد تمكن الإخوان من تحويله إلى أداة لتحقيق أهدافهم. اقرأ أيضًا | الإخوان معول هدم الأوطان.. عام أسود.. تحت حكم «الإرهابية».. انقسام مجتمعى وتدهور اقتصادى وقد أكد أحمد الخطيب الباحث فى شئون الحركات المتطرفة، أن الإخوان لا يؤمنون بالتعددية السياسية الحقيقية، بل يتعاملون مع الديمقراطية كأداة مؤقتة للتمكين، يتم التخلّص منها فور تحقيق السيطرة. واعتبر أن هذا السلوك لا يُعبِّر عن خصومة سياسية عادية، بل عن مشروع يهدف إلى تقويض أسس الدولة الوطنية من الداخل، عبر خطاب مزدوج وتنظيم هرمى لا يخضع للرقابة أو التداول الداخلي، وأضاف ل «الأخبار»، أن الجماعة لطالما استخدمت الديمقراطية كواجهة لتحصيل الشرعية، دون أن تتبنى مضمونها الفعلى من احترام الآخر أو التداول السلمى للسلطة. وأوضح أن معركة مواجهة الإخوان لا تقتصر على الجوانب الأمنية أو القانونية، بل تتطلب بناء وعى ثقافى ومدنى عميق يُحَصِّن المجتمع من الوقوع فى فخ الخطاب الشعبوى الذى تتقنه الجماعة، مشددًا على أن تحصين الديمقراطية لا يمر عبر التنازلات، بل عبر الحسم فى مواجهة المشاريع التنظيمية التى لا تؤمن بالدولة، بل تسعى لتفكيكها من الداخل. جرائم الإخوان تجاه الدولة الوطنية لم تقتصر على مصر، فالسودان كان على موعد عام 1989 مع انقلاب عسكرى مدعوم بتدبير من قيادات الإخوان، أسقط حكومة الصادق المهدى المُنتخبة، وبدأ تنفيذ مخطط لتصفية خصوم الإخوان السياسيين عبر إقالة الآلاف من المسئولين بالحكومة والأجهزة العسكرية والشرطية، تحت شعارات الأسلمة والتمكين، حيث كان البشير واجهة لسياسات وأفكار الإخوان بقيادة حسن الترابي. ونتيجة عهد البشير الذى بُنى على تحالف مُشَوَّه مع الإخوان، لم يستطع السودان، الحفاظ على وحدة أراضيه بعدما استقل جنوب السودان عام 2011، إثر حرب أهلية طاحنة بسبب الخطاب الدينى المتطرف الذى لم يستوعب سكان الجنوب، كما أدخلت حكومة البشير، السودان فى أزمات دولية غير مُبررة وعُزلة عالمية بسبب قرارات مثل استضافة قادة الحركات المتطرفة من أنحاء العالم مثل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ونتيجة لذلك، اعتبرت الولاياتالمتحدة، السودان، دولة راعية للإرهاب. وامتدت جرائم عهد البشير إلى الدخول فى حرب بإقليم دارفور عام 2003، استغل خلاله النظام، الاختلافات العرقية لقمع التمرد، ما أدى إلى قتل قُرابة نصف مليون سودانى وتشريد أكثر من 2.5 مليون آخرين، ونتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان بإقليم دارفور وأقاليم أخرى بالبلاد، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرات قبض ضد الرئيس عمر البشير وعدد من مسئوليه بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، لكن البشير وحكومته رفضوا المثول أمام تلك المحكمة. وخلال الاضطرابات فى دارفور، أنشأ البشير، ما يُعرف بقوات الدعم السريع التى انقلبت عليه لاحقًا وأصبحت أداة لضرب مؤسسات الدولة الوطنية وعلى رأسها الجيش السوداني. أما فى تونس، فقد أنهى الرئيس قيس سعيد عام 2021، ما عُرف ب«العشرية السوداء» التى سيطر فيها الإخوان على السلطة عقب ثورة الياسمين التى أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، والتى شهدت تقلبات سياسية سريعة أدت إلى تراجع اقتصادى حاد، كما وجهت إلى جماعة الإخوان، اتهامات بتنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات، وفى مقدمتها قضية السياسى ين شكرى بلعيدومحمد البراهمي، بالإضافة إلى إقرار جهات قضائية بتلقى حركة النهضة تمويلات أجنبية والتعاون مع جهات خارجية خلال الانتخابات البرلمانية. وبعدما كانت التجربة التونسية يُروّج لها على أنها نموذج ناجح لإدارة الإخوان، ثبت لاحقًا تورط قيادات التنظيم وعلى رأسهم راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي، فى «التآمر على الدولة» وهى التهمة التى وجهتها له المحكمة وقضت بسجنه 14 عامًا. واعتبر الإخوان، الثورة الليبية، فرصة للانقضاض على الحكم فى بلد لم يشهد للتنظيم وزنًا كبيرًا طيلة تاريخه، حيث قفزوا إلى قيادة المؤتمر الوطني، أول برلمان بعد الإطاحة بمعمر القذافي، وأصبحت الميليشيات التابعة لهم مسيطرة على المدن الكبرى خاصة فى الغرب، ما أدى لارتكاب جرائم بحق السكان فى مدن مثل تاغوراء وبنى وليد، وعلى الرغم من تحرك الجيش الوطنى ضد الميليشيات المتطرفة وحظر البرلمان الليبى جماعة الإخوان عام 2019، إلا أن استثمار التنظيم فى انقسام البلد يعزز حضورهم على ظهور الدبابات والآليات المدرعة من خلال الميليشيات بطرابلس. وبحسب نائب وزير الخارجية الليبى مصطفى الزايدي، فإن الإخوان كانوا العنصر المنفذ لما أسماه بمؤامرة غربية على ليبيا، وأضاف أن مستقبل ليبيا سيكون خاليًا من الإخوان، بعدما أدرك الشعب الليبى أن شعاراتهم مُضللة للوصول إلى السلطة. سياسة الاحتواء التى اتبعها الأردن لعقود مع تنظيم الإخوان، أثبتت مؤخرًا فشلها، فالجماعة التى فتح لها النظام الملكي، الباب أمام المشاركة فى الحياة السياسية والبرلمان منذ أربعينيات القرن الماضي، أظهرت نواياها فى الإضرار بأمن الوطن خلال العامين الماضيين، فبعد هجوم السابع من أكتوبر 2023، أظهر الإخوان دعمًا علنيًا لحركة حماس، وهوما اعتبرته الدولة الأردنية، محاولة توظيف سياسى لأحداث إقليمية بالداخل الأردني، خاصة أن الخطاب الجماهيرى للجماعة بدأ يزداد حدة فى الشارع، إلى حد مواجهات مباشرة مع الأجهزة الأمنية وتجاوزات غير مسبوقة فى خطابهم. فى منتصف إبريل الماضي، أعلنت الأجهزة الأمنية الأردنية، إحباط مخطط إرهابى نوعي، وُصف بأنه الأخطر منذ سنوات، كانت تقوده خلية مرتبطة فكريًا وتنظيميًا ب «جماعة الإخوان المسلمين»، وأظهرت التحقيقات أن أفراد الخلية، وعددهم 16 شخصًا، كانوا بصدد تنفيذ هجمات تستهدف مواقع أمنية داخل الأردن، باستخدام صواريخ قصيرة المدى وطائرات مُسَيَّرة ومواد شديدة الانفجار مثل «TNT» و«C4»، تم تخزينها داخل مستودعات سرية بالعاصمة عمّان والزرقاء، وهو ما أدى إلى اتخاذ قرار حاسم بحظر عمل الإخوان داخل الأردن.