غايتها من هذا الكتاب أن تعود بمحض إرادتها إلى الأمس المصرى العظيم لترى ما حدث وما كان هذا كتاب حكمت نظرتى له وقراءتى لعنوانه أن ناشره مكتبة مدبولى. وأنا لديَّ حالة ضعف تجاه كل ما يتصل بالمرحوم الحاج محمد مدبولى ومكتبته. سواء المكتبة الأساسية بميدان طلعت حرب بوسط القاهرة، أو المكتبة الجديدة الموجودة بالتجمع الخامس. فيكفى أن الكتاب ناشره مكتبة مدبولى. قبل كل هذا وبعده أنه يتكلم عن مصر من أول الخلق، وهل هناك حبٌ أكثر من حُب الإنسان لبلده؟ خصوصًا عندما يكون هذا البلد مصر. والمؤلفة تُهدى كتابها لكل شهيدٍ قدَّم دمه وعُمره ولم يسأل عما قدَّمت له بلاده. وإلى كل أمٍ ربَّت ابنها على حُب البلاد والعباد. وإلى كل مصرى أحب بلاده فالتزم أرضها ولم يرحل رغم الشدائد. هذه ببساطة قصة مصر من أول الخلق. وتكتُب المؤلفة الدكتورة هالة أحمد زكى العاشقة لمصر بلا حدود، والتى تُعبِّر عن عِشقها بشكلٍ غير عادي. فتقول إن مصر البلد الجميل الذى يُشبه صفحة النيل المفتوح المُتَّسِع على امتداد البصر الذى تسبق يقظته الباكرة وابتهاله وتأمله صحو العصافير وبزوغ أول تباشير الفجر. بلد لا مثيل له فى دنيا عابرة. ولم لا يكون وهو المفسر والعارف بحكمة الأيام. ينتظرون بر مصر الذى تحاول أن تصفه الكلمات والبشر السالكين فى دروبه والمُحملين بالآمال. هذه مُدنها وشوارعها وأحياؤها وأزقتها وريفها وصحراؤها، مصر المحروسة التى عاش أولادها على مبدأ الأخلاق والخير والعدالة والتأنق، والتميز فى ملبسهم ومنهجهم وحتى فى تحيتهم وأفراحهم وأحزانهم. وتكتُب المؤلفة: - أقول لكم إننا الآن وأكثر من أى وقتٍ مضى نحتاج أن نُعيد النظر بعد النظرة الأولى لنرى بصِدق تفاصيل مصر الحياة والمكان، الأمة المباركة. وتعترف أن ما تكتُبه ليس مجاملة لبلدٍ يمتلك كل قصص البشر والزمان. إنه البلد الرائع لما كان وسيكون. ولثقة المؤلفة وإيمانها بأن الله الواحد القهَّار يحفظ البلد ويُجرى أمره. لهذا تجد لديها رغبة للتعرف إلى مصر مع قُرَّائها من خلال تاريخٍ تحضُّر وتمدُّن وتميُّز، كانت خلاله هى السفينة التى تخوض البحر وتستمر. ويُكتب لمن يستقل متنها السلامة والفهم للحياة. فلديها ما تملك، ولها ما تستحق، ولنولى التاريخ نظرة أخرى لا يكون فى خلالها مجرد مادة دراسية أو صفحات فى منهج كبير لا نتذكر حواشيه سوى لاجتياز امتحان آخر العام. اليوم لم تعد المسألة خاصة باجتياز الامتحان. بل اجتياز للصِعاب التى تعنى أنه لا يُمكن أن نلمس طريق نجاح أو نجاة دون استيعاب لأيام ووقائع وأحداث عاشتها مصر منذ أقدم العصور. وهكذا تدور بنا الأيام لتظل نقوش المعابد وكتابات البرديات تُشكِّل أساطير فى الخيال، وعلى الرغم من أنها مصر صاحبة الكلمة والأهرامات والأخلاق والقانون والمشروع والرؤية فى كل زمنٍ يُشرِق عليها. فلا نريد أن نستسلم إلى دائرة مفرغة من التساؤلات. وتعترف المؤلفة أن غايتها من هذا الكتاب أن تعود بمحض إرادتها إلى الأمس المصرى العظيم لترى ما حدث وما كان. وأن هذا الأمس الذى سنعود إليه والقصد والغاية من الكتابة. وأنه لن يكون معروفاً لدينا إلا بالتمعُّن والدراسة والقراءة والعودة إلى التاريخ الذى تحفظه الصور الفوتوغرافية والآثار العظيمة التى تركتها تلك الحضارة. إنها تعترف أن ما تقصده سيكون أبعد من الخمسينيات والستينيات التى عايشت تجربة عبد الناصر صاحب الأفكار والتفاصيل الثورية. سيكون أبعد أيضاً من سنوات حُكم الخديو إسماعيل مهندس مدنية مصر الحديثة التى نافست يوماً ما أوروبا بجمالها ورُقيِّها. وبالتأكيد أبعد وأقدم تاريخاً حتى من صولجان محمد على باشا الذى دارت فى زمنه قصة عودتها المباركة إلى الأخذ بأسباب التقدم ووضعها على مسار القوى العظمى فى المدنية والعسكرية والتعليم. إن الأمس الذى تبحث عنه هو بداية البدايات. وأول الحكاية والإشراقات. وأننا سنعود إلى مصر من أول الخلق البلد الذى لم يكن مجرد نقطة عبور للبشر أو موقع على خريطة صامتة، البلد الذى لا يُمكن النظر إليه على أنه مأوى للناس دعتهم الأقدار للتواجد فيه ليذهب من يذهب وليأتى من يأتى. إنه البلد الذى عاش الأنبياء فى رحابه، ونعم الصالحون فى ظلاله، وكتب وأبدع وتمتع العُلماء فى أمانه. وهكذا تُصبح مصر فعلاً وقولاً أول الخلق.