محاولات الالتفاف وتطويق مصر لا تتوقف من أجل الضغط عليها وابتزازها كى تقبل بتصفية القضية الفلسطينية جاءت رسالة الرئيس السيسي الأخيرة حول مياه النيل كاشفة حاسمة وبنبرة هادئة مطمئنة (بفتح الطاء) فى نفس الوقت. الرئيس قال: إن مصر تتعرض لضغوط فى موضوع المياه لتحقيق «أهداف أخرى واحنا مدركين لده، مخطئ من يتصور أن مصر ستتخلى عن أى جزء من حصتها فى مياه النيل». الرسالة واضحة أن مصر لن تخضع للابتزاز. ليس خافيًا أن مصر تتعرض لضغوط من خلال تهديدات بتقليص احتياطياتها المائية، لدفعها لتغيير سياستها تجاه قطاع غزة والموافقة على فتح الحدود معه. وقد وجدتها إسرائيل فرصة للعزف على أوتار القضية المائية، عن طريق الضغط عليها من خلال سد النهضة الإثيوبى بهدف التأثير على موقفها من قضية تهجير أهالى غزة وإخلاء القطاع من مواطنيه. المطلوب من مصر كما هو معروف فتح الحدود والسماح لآلاف الغزيين بمغادرة القطاع. من ثم تُبذل حاليًا محاولة لاستغلال قضية حساسة تمثل، من وجهة نظر مصر، تهديدًا وجوديًا كقضية المياه؛ لتخفيف موقف مصر تجاه قضية معبر رفح مع غزة، تماشيًا مع رغبة إسرائيل فى تقليص عدد سكان غزة، سواء انتقلوا إلى سيناء أو إلى وجهات أخرى فى العالم. وقد أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن إسرائيل قدمت بالفعل مقترحات لدول أخرى لإعادة توطين سكان غزة. وذكرت القناة 12 أن حكومة نتانياهو تُجرى محادثات مع خمس دول أو أقاليم هى إندونيسيا، وأرض الصومال، وأوغندا، وجنوب السودان، وليبيا - لمناقشة قبول فلسطينيين من قطاع غزة. فى خلفية المشهد تبرز أهمية زيارة رئيس أوغندا للقاهرة فى الأسابيع الماضية، التى تبدو غير مقطوعة الصلة بكل تفاعلات القضايا سواء المائية أو الاقتصادية الثنائية أو حتى الفلسطينية. كذلك لم يحظ الحديث عن ليبيا وجنوب السودان كمستقبلات لأهالى غزة باهتمام جاد، على الرغم من انطوائه على وقاحة إسرائيلية منقطعة النظير، إلا عندما نقلت وكالة أسوشيتد برس عن ستة أشخاص مطلعين على الأمر قولهم إن محادثات جرت بين إسرائيل وجنوب السودان تحديدًا لمناقشة إمكانية إعادة توطين سكان غزة فى جنوب السودان، كجزء من الجهود الإسرائيلية الأوسع نطاقًا لتسهيل الهجرة الجماعية من القطاع. ومع أن وزارة خارجية جنوب السودان نفت هذه المزاعم، و قالت فى بيان إنها «تنفى نفيًا قاطعًا التقارير الإعلامية الأخيرة التى تفيد بأن جوبا تُجرى محادثات مع إسرائيل لتوطين فلسطينيين من غزة». وأكدت أن «هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة ولا تعكس الموقف ولا السياسة الرسمية لجنوب السودان»، وعلى الرغم من تلقى وزير الخارجية المصرى بدر عبد العاطى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الجنوب سودانى، ساماى كومبا، فى يوليو الماضى، تناول «سبل تعزيز العلاقات الثنائية»، إلا أن الجدل حول توطين الفلسطينيين فى جنوب السودان لم يتوقف ولا سيما بعد زيارة وزير خارجية جنوب السودان إلى تل أبيب الأسبوع الماضى بدعوة من نظيره الإسرائيلى. فى غضون ذلك، أفادت وسائل إعلام سودانية أن نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي، شاران هاسكل، زارت جوبا فى زيارة رسمية لبحث سبل تحسين التعاون بين الجانبين. على طريقة يكاد المريب أن يقول خذوني، بدأت إسرائيل تروج لاتهام مصر ببذل الجهود لتعطيل الاتفاق مع جنوب السودان، وطنطنت وسائل الإعلام الصهيونية لتقرير بثته وكالة أسوشيتد برس، صرّح فيه مسئولون مصريون بأنهم على علم منذ أشهر بجهود إسرائيل لإيجاد دولة لاستضافة الفلسطينيين، بما فى ذلك علاقاتها بجنوب السودان. وأضافوا أنهم يضغطون على جنوب السودان لمنعه من قبول الفلسطينيين. محاولات الالتفاف وتطويق مصر لا تتوقف من أجل الضغط عليها وابتزازها كى تقبل بتصفية القضية الفلسطينية مقابل الاحتفاظ بحصتها المائية، لكن ما لا يعلمه المرجفون أن مصر لن تخضع للابتزاز ولن تتنازل عن مبادئها ولا عن حقوقها المائية.