شهدت أضواء مزادات دار "يونغ لو" الشهيرة بهونغ كونغ صيف العام الجاري بيع تمثال لجني باللون الأخضر النعناعي بسعر 1.08 مليون دولار هونغ كونغي (ما يعادل حوالي 138 ألف دولار أمريكي)، محطماً الرقم القياسي لأعلى مزاد بيع تصميمات ألعاب صينية أصيلة. فجأة، أدرك الناس أن "لابوبو"، هذه الشخصية الصينية الأصلية، قد دخلت بالفعل إلى قاعة مشاهير المقتنيات العالمية. ليتحول هذا "المخلوق الصغير" ذو الأسنان التسعة الحادة والتعبيرات الماكرة فجأة أحد العناصر المؤثرة في خارطة الاستهلاك الثقافي العالمي. ومن طوابير الشراء التي تبدأ في الثالثة صباحاً في لاس فيغاس، إلى موجات التصوير أمام متحف اللوفر في باريس؛ ومن أكثر من 5.8 مليار مشاهدة على تيك توك، إلى المبيعات في متاجر رسمية في أكثر من 30 دولة حول العالم – بدأ هذا "الجني" الذي ظهر في شركة صينية متخصصة في ألعاب المصممين، يروي قصة جديدة لخروج الملكية الفكرية الصينية إلى العالمية من خلال جمالية "القبح الظريف" ودمج الثقافات. طوابير في لندن لمشاهدة كرنفال الوحوش في شهر مارس من هذا العام، شهد إطلاق سلسلة "كرنفال الوحوش"، إحدى الإصدارات الجديدة لشخصية "لابوبو" التابعة لعلامة بوبو مارت، إقبالاً غير مسبوق. في لاس فيغاس، حيث اصطف المستهلكون وسط البرد القارس حتى الساعة الثالثة فجرًا، في الوقت الذي أدى فيه التزاحم الشديد في متجر لندن الرئيسي بالمملكة المتحدة، إلى فرض قيود مؤقتة على دخول المتسوقين. وفي أبريل من العام الجاري، وعند افتتاح بوبو مارت فرعه الجديد في حي لاديفونس، المركز التجاري بالعاصمة الفرنسية باريس، اصطفت طوابير تضم مئات الأشخاص قبل موعد الافتتاح الرسمي. بينما نشرت إحدى المدونات الفرنسية مقطعاً على منصات التواصل الاجتماعي قائلة: "تخيلوا، وصلت الساعة العاشرة صباحاً وكان أمامي مئات الأشخاص! كان الوضع جنونياً – كان هناك أعداد هائلة من البشر!" وقد أشعلت هذه الموجة العابرة للقارات تطبيق تيك توك، حيث تجاوز وسم #Labubu حاجز ال5.8 مليار مشاهدة، وبلغت نسبة المحتوى الأصلي الذي ينشئه المستخدمون 83%. ونشرت مجلة "تايم" الأمريكية مقالاً ذكرت فيه أن البحث عن "بوبو مارت" على منصات التواصل يظهر عشرات الآلاف من فيديوهات فتح العلب. وبحسب التقرير المالي للربع الأول من عام 2025، ارتفعت إيرادات بوبو مارت الخارجية بنسبة تتراوح بين 475% و480% على أساس سنوي، لتصل متاجرها إلى أكثر من 30 دولة ومنطقة حول العالم. حتى أشعل هذا النمو حماس الأسواق المالية، حيث تجاوزت القيمة السوقية للشركة 300 مليار دولار هونغ كونغي. وعلقت المحللة في بنك "دويتشه"، السيدة شوجيه على ذلك قائلة: "من النادر جداً أن ينجح IP فني في غزو الثقافة الآسيوية وقلوب النجوم الغربيين في آنٍ واحد". وقالت مصممة الديكور الداخلي في لندن، لوسي شيتوفا: "إنها تبدو غريبة بعض الشيء، وقبيحة بعض الشيء، لكنها شديدة الشمولية، ويمكن للجميع أن يألفوها". لقد نجح تصميم "القبح الظريف" في لمس المشاعر العاطفية لجيل Z، حيث ينظر الشباب إلى هذا الشكل غير المثالي كتعبير ناعم عن مقاومة المجتمع الموحد والمعياري. وتشير الدراسات إلى أن 65% من المستهلكين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاماً يعتبرونه وسيلة لمرافقة مشاعرهم. وفي كوالالمبور، اجتذبت أولى متاجر بوبو مارت حشوداً ضخمة قضت الليل في طوابير الانتظار لشراء المنتجات. وفي بانكوك، حوّل لابوبو بلباس التايلاندي التقليدي من حرير التايل إلى رمز للأزياء العصرية. أما في باريس، فقد أعاد الفنانون تصوير شخصية لابوبو بأسلوب الانطباعية الفرنسية، ما أثار نقاشات واسعة في الوسط الفني. وعلّقت تانيا، مستهلكة تايلاندية، قائلة: "أنا أحب الفنون بطبعي. حين تتحول القطع الفنية من لوحات على الجدران إلى أشياء تُحمل وتُلتقط معها الصور في أي مكان، عندئذ يصبح الأمر أكثر متعة". وهكذا من خلال التصاميم المحلية، حولت بوب مارت (Pop Mart) هذا IP الصيني إلى رمز ثقافي ملموس، لتصنع بذلك معجزة "النفاد الفوري"، وتصبح نموذجاً يحتذى به في تصدير الثقافة الصينية. ومن جهة أخرى، ساهم النجوم العالميون في زيادة انتشار لابوبو. فقد عرض نجم كرة القدم الإنجليزي ديفيد بيكهام دمية لابوبو أهديت له من ابنته على وسائل التواصل، فيما أثارت مشاركة عضوة فرقة بلاكبينك الكورية، ليزا، موجة شراء هائلة في جنوب شرق آسيا. والأهم من ذلك، أن التصميم المفتوح لشخصية لابوبو شجّع المستخدمين على إعادة الإبداع؛ من الملابس المخصصة إلى الأسنان المرصعة، مما خلق منظومة ثقافية متكاملة وخاصة. أو كما قال وانغ نينغ، مؤسس بوب مارت: " أصبح ملايين الشباب حول العالم يروون قصصهم الخاصة من خلال لابوبو'". دنغوان تتصدر الإنتاج العالمي بينما يحتفل المستهلكون حول العالم بامتلاك دمية "لابوبو" الخاصة بهم، تنطلق هذه "الجنّيات" المبهجة من خطوط الإنتاج الذكية في مدينة دونغوان الصينية لتصل إلى الأسواق العالمية في سباق محموم. تقع مدينة دونغوان بمقاطعة غوانغدونغ على الساحل الجنوبي الشرقي للصين، على بُعد نحو 70 كيلومتراً من شنتشن. وفي وقت متأخر من الليل، تظل مصانع الألعاب في بلدة شيباي بدونغوان مضاءة ومفعمة بالحركة. بينما تقوم الأذرع الآلية بالورش الذكية بحقن الراتنج السائل بدقة في القوالب، لتتشكل تدريجياً دُمى لابوبو الصغيرة ضمن صناديق المفاجآت. كانت دونغوان في بداياتها مصنعاً خلفياً لكبرى العلامات التجارية مثل ديزني ومارفل، ومع مرور السنوات، تطورت لتصبح تجمعاً صناعياً متكاملاً يضم التصميم، التطوير، تصنيع القوالب، والتركيب. المدينة التي اشتهرت سابقاً كقاعدة تصنيع، باتت اليوم تُصدّر ختم "صُنع في دونغوان" إلى سوق ألعاب التصميمات العالمية، بإنتاج يصل إلى 800 قطعة من دمى لابوبو في الساعة. ومنذ عام 2020، تجاوز عدد المصانع والشركات المتعاونة في دونغوان مع شركة بوبو مارت الثلاثين، والتي تساهم جميعها في إنتاج دمى لابوبو. وفي أحد المصانع الذكية، تُستخدم تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد ومحاكاة الحقن بالذكاء الاصطناعي لتحويل التصميمات الرقمية إلى دمى ملموسة. وصرح أحد مسؤولي المصنع: "ساعدنا التحول الرقمي على تقليص دورة تطوير القالب من 15 يوماً إلى 3 أيام، ورفعنا معدل الجودة إلى 98.7%". حيث يتم تصدير هذه الكميات من دمى لابوبو إلى أكثر من 30 دولة خلال 48 ساعة عبر ميناء شنتشن. تتجه كميات كبيرة من دمى لابوبو من ورش دونغوان إلى أيدي عشاق الألعاب العصرية حول العالم. حيث ساعد زخم الصناعة الإبداعية في تحول دونغوان من "قاعدة تصنيع" إلى "قاعدة علامات تجارية"، ليسطع نجمها تدريجيًا في صناعة الألعاب العصرية العالمية. أصبحت دونغوان اليوم واحدة من أهم قواعد الإنتاج العالمية في هذا القطاع – حيث تُنتج نحو 25% من منتجات الأنمي المشتقة في العالم وقرابة 85% من ألعاب المصممين في الصين. وتشير الإحصائيات إلى أن دونغوان تضم أكثر من 4000 مصنع ألعاب ونحو 1500 شركة داعمة وموردة، مما يُشكّل نظاماً إنتاجياً متكاملاً يمكنه تأمين كافة عناصر التصنيع ضمن دائرة قطرها كيلومتر واحد. ومن هذه البيئة الإبداعية خرجت علامات IP شهيرة مثل ToyCity وLaura التي تحظى بشعبية واسعة بين عشاق الألعاب. ويمتد تأثير هذه السلسلة الصناعية إلى مناطق أخرى، مثل شركة "شوفينغ" للمنتجات المنزلية في سوتشو بمقاطعة جيانغسو، التي كانت متخصصة في إنتاج ملابس النوم، لكنها أعادت تشغيل خطوطها بعد أن غزت لابوبو السوق. يقول المدير العام، تشيو زونزون، مازحاً: "لم تكن هذه دميتي المفضلة، لكنها الآن لطيفة جداً". بعدما لاحظ شعبية لابوبو، قرر إطلاق خط إنتاج ملابس مخصصة لها. وبنهاية مايو، أنتج المصنع أكثر من 80 نوعاً من ملابس الدمى، وحقق مبيعات بقيمة 170 ألف يوان. ويُتوقع أن تصل المبيعات الشهرية إلى حوالي مليون يوان. وبالإضافة إلى هذا المصنع، تنتشر العديد من المصانع الداعمة بمنطقة دلتا نهر اليانغتسي. وفي مارس 2025، دفعت وزارة التجارة الصينية نحو نموذج جديد من IP +" استهلاك". كما أصدرت مدينة دونغوان إجراءات خاصة لدعم دمج "ألعاب المصممين + التراث غير المادي" و"ألعاب المصممين + السياحة"، بينما خصصت بلدة شيباي 10 ملايين يوان سنوياً لبناء أكبر حديقة صناعية لألعاب المصممين في الصين. من خطوط الإنتاج الذكية في دونغوان إلى المصانع الداعمة في جيانغسو وتشجيانغ، تعمل الصين على تأسيس بنية تحتية قوية تدعم انطلاقتها العالمية في مجال الألعاب العصرية. خروج العلامات التجارية الصينية إلى العالم: "الجمال لا يعرف الحدود" أدى النجاح الهائل لشخصية "لابوبو" إلى كسر الصورة النمطية التي تربط "صُنع في الصين" بالمنتجات الرخيصة والعملية فقط. كما أشارت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، فإن المستهلكين الغربيين اعتادوا سابقاً على شراء منتجات صينية مُصنَّعة لصالح شركات أجنبية، بينما تغيّر هذا التصور اليوم مع صعود علامات تجارية مثل"Shein"، "Temu"و" Pop Mart"، التي تُعيد تعريف معنى المنتجات الصينية في السوق العالمية. من اللعبة الرقمية "أسطورة القرد الأسود: وكونغ"، التي تجاوز عدد اللاعبين المتصلين بها مليون مستخدم في أول ساعة من إصدارها، إلى الفيلم الصيني "نِزها 2" الذي دخل ضمن أعلى خمسة أفلام من حيث الإيرادات عالمياً – كلها أمثلة تُبرز تصاعد الثقة الثقافية والتحول العميق في البنية الصناعية الصينية. وعلّق بيريرا، مؤسس شركة الاستشارات "iMpact" في سنغافورة، قائلاً: "إن نجاح لابوبو يبرهن على أن العلامات التجارية الصينية بإمكانها الفوز من خلال المشاعر العالمية المشتركة". وراء هذه الجاذبية المتزايدة، تقف بنية صناعية صينية متكاملة. ففي "تقرير تطور صناعة ألعاب المصممين والأنمي في الصين (2024)" الصادر عن الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، يُتوقع أن تبلغ قيمة هذه الصناعة 110.1 مليار يوان بحلول عام 2026، مع نمو سنوي يتجاوز 20%. وأظهرت العلامات الرائدة أداءً متميزاً في الأسواق الخارجية: إلى جانب "بوبو مارت"، يمتلك "TOP TOY" أكثر من 280 فرعاً حول العالم، وقد صدّرت شركاته أكثر من 53 دفعة من المنتجات بقيمة إجمالية تقارب 47 مليون يوان في عام 2024. أما"52"TOYS، فشهدت نمواً بنسبة تجاوزت 300% في تايلاند، و220% في عموم جنوب شرق آسيا. وفي تعليقه على هذه الظاهرة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان: "رواج منتجات الثقافة الصينية مثل ألعاب المصممين في أنحاء العالم، خير دليل على أن الجمال لا يعرف الحدود". ولم يقتصر الأمر على ألعاب المصممين فقط؛ فالعلامات الصينية تغزو مجالات أوسع. من ستوكهولم إلى سيدني، أصبحت السيارات الكهربائية الصينية مشهداً مألوفاً، بينما تجاوزت علامة مي شيوه بينغ تشنغ لمشروبات الشاي بالحليب عدد فروع ماكدونالدز لتصبح أكبر سلسلة مطاعم سريعة في العالم، وتتوسع بسرعة نحو أمريكاالجنوبية. وأشار الخبير في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، جوشوا كورانتزيك، إلى أن "تيك توك قد يلعب دوراً في تغيير نظرة المستهلكين إلى الصين". فهذه المنصة، التي تضم أكثر من مليار مستخدم – أي نحو نصف سكان الولاياتالمتحدة – تعجّ بمقاطع لابوبو التي تواصل جذب انتباه الجمهور. ويرى كورانتزيك أن "تصدير الثقافة يمكن أن يُحسّن من صورة الصين، ويُظهر أن الشركات الصينية قادرة على إنتاج منتجات وخدمات تتمتع بجاذبية عالمية". وفي مدينة ألعاب بوبو مارت في بكين، تقف الطفلة القطرية مريم الحمادي (11 عاماً) لالتقاط صورة أمام تمثال عملاق لشخصية لابوبو، قائلة: "كل أصدقائي يحبون دمى لابوبو، وعندما علمت أنها منتج صيني، تمنّيت زيارة الصين لرؤية مختلف أشكال لابوبو بنفسي". وهكذا يساهم سحر "لابوبو" في تعزيز فضول الشباب من مختلف أنحاء العالم تجاه الصين.