في سباق السيطرة على مستقبل الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة، دخل البنتاجون الأمريكي، في معركة استراتيجية لكسر قبضة الصين الحديدية على المعادن النادرة، وهي الموارد الحيوية التي تُشكّل العمود الفقري لأحدث الأسلحة الأمريكية. من مقاتلات "إف-35" إلى المدمرات البحرية العملاقة، تعتمد الترسانة الأمريكية على مواد تهيمن بكين على إنتاجها ومعالجتها، مما يمنحها ورقة ضغط سياسية واقتصادية تهدد أمن واشنطن القومي. اقرأ أيضًا| سباق اللحظات الأخيرة.. أوروبا تتحرك لتفادي سلاح الصين المعدني| فما القصة؟ المعادن النادرة.. عصب القوة العسكرية الأمريكية وفقًا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، تعتمد الصناعات الدفاعية الأمريكية بشكل شبه كامل على المعادن الأرضية النادرة، وهي مجموعة من 17 عنصرًا كيميائيًا لها خصائص مغناطيسية وحرارية فريدة. - طائرة "إف-35" تحتاج إلى أكثر من 920 رطلاً من هذه المعادن. - مدمرة الصواريخ "أرلي بيرك" تعتمد على 5700 رطل منها. - غواصة "فيرجينيا" النووية تحتاج إلى 10 آلاف رطل تقريبًا. وتدخل هذه المواد في تصنيع السفن الحربية، والطائرات المقاتلة، والصواريخ الموجهة، وأنظمة الليزر، والدبابات، والأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار. الهيمنة الصينية تسيطر بكين على نحو 85% من عمليات معالجة المعادن النادرة عالميًا وأكثر من 90% من إنتاج المغناطيسات الدائمة، خاصة تلك المستخدمة في الصناعات العسكرية، كما تتحكم في فصل المعادن الأرضية النادرة الثقيلة، وهو مجال شديد الحساسية. الصين سبق أن استخدمت هذه النفوذ كورقة ضغط سياسية، وفرضت حظرًا على تصدير تقنيات الاستخراج والإنتاج، ما عطل سلاسل التوريد الغربية ورفع الأسعار. تاريخ الانسحاب الأمريكي من الصناعة كانت الولاياتالمتحدة في الماضي من أكبر منتجي هذه المعادن، لكن المخاوف البيئية والتكاليف المرتفعة دفعت المشرعين لإغلاق مكتب المناجم الأمريكي عام 1996، تاركين المجال للصين للاستثمار الضخم في هذا القطاع. واليوم، لا يوجد سوى منجم أمريكي واحد عامل، وهو منشأة "ماونتن باس" في كاليفورنيا، التي تديرها شركة «MP Materials» الأمريكية المتخصصة في مواد الأرض النادرة. اقرأ أيضًا| سلاح بكين الصامت.. كيف قلبت الصين الطاولة في معركة ترامب التجارية؟ حروب تجارية وتوترات متجددة منذ أن أطلق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب حربه التجارية عام 2018 (خلال ولايته الأولى)، أصبحت المعادن النادرة جزءًا من المعركة الاقتصادية. وفي أبريل الماضي، فرضت بكين قيودًا على تصدير سبعة أنواع منها، بينما اتفقت واشنطنوبكين على هدنة لمدة 90 يومًا، لكنها تنتهي قريبًا. من جانبه، أكد المسؤولون الأمريكيون، ضرورة ضمان تدفق هذه المواد بنفس الانسيابية التي كانت قبل القيود. وكانت هناك مفارقة بين ترامب وبايدن حول هذا الملف، فترامب، أطلق أمر تنفيذي للتحقيق في الاعتماد على المعادن الأجنبية، وزيادة تمويل التعدين المحلي. أما بايدن (خلال ولايته السابقة)، قد فضل توسعة المخزون الاستراتيجي وربط الحوافز الضريبية بالمواد القادمة من الولاياتالمتحدة أو شركاء التجارة الحرة. وكلا الرئيسين استخدم قانون الإنتاج الدفاعي لتسريع إنتاج المعادن الحيوية محليًا باعتباره مسألة أمن قومي. استثمار البنتاجون.. 540 مليون دولار وخطة حتى 2028 ضخّت وزارة الدفاع الأمريكية، نحو 540 مليون دولار في مشاريع المعادن الحيوية، وأبرمت صفقة ضخمة مع الشركة الأمريكية MP Materials لبناء مصنع للمغناطيسات الأرضية النادرة في الولاياتالمتحدة، من المقرر افتتاحه عام 2028، مع ضمان شراء الإنتاج ووضع حد أدنى للسعر لحماية الشركة من المخاطر المالية. وبحلول 2027، سيُمنع مقاول الدفاع من استخدام أي مغناطيس يحتوي على معادن مصدرها الصين. تحديات بناء سلسلة توريد بديلة أما إنشاء منظومة بديلة، فهو لا يقتصر على فتح منجم جديد، بل يحتاج إلى خبرات وتقنيات فصل ومعالجة تمتلكها الصين منذ عقود. حيال ذلك، وصف الخبير كريس بيري الفجوة بين البلدين بأنها "هائلة في القوة التقنية والمعرفية". وبينما تعمل واشنطن على خططها، توسع الصين نفوذها، بين: - زيادة الاستثمارات في مناجم ميانمار الغنية بالمعادن النادرة. - إعداد قائمة خُبراء لضمان عدم تسرب المعرفة للخارج. - تسجيل أعلى معدل استحواذ على شركات التعدين في الخارج منذ أكثر من عشر سنوات. في حين، يرى خُبراء مثل باسكاران من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن واشنطن مُضطرة لاتباع سياسة تدخلية مشابهة لسياسة بكين إذا أرادت المُنافسة، وأن ما يحدث الآن هو خطوة كبيرة نحو مواجهة الهيمنة الصينية، لكنها معركة طويلة ومعقدة. اقرأ أيضًا| «معهد ستوكهولم» يكشف مدى هيمنة الأسلحة الأمريكية على سوق الدفاع الأوروبي