الوعي الزائف ليس محصورا فيما يُكتب أو يُقال بخلاف الحقيقة وضد العقل والبداهة والمسلّمات والمعلوم من الدين بالضرورة بهدف إقصاء الوعي الرشيد والفهم الصحيح لقضايا الإيمان والأديان والأوطان، وإحلال التصورات والمفاهيم الخاطئة لأجل تحقيق الأجندات الخاصة، والتوجهات الحزبية والمذهبية النفعية أوالمِلّية أو الطائفية العنصرية. وإنما الوعي الزائف يشمل كذلك موجات إثارة الشكوك والشبهات وإلقاء الأباطيل والترهات على الرموز والقادة الروحيين والأئمة والقامات ذات الدور الريادي التأسيسي ، أو الإصلاحي أو التوجيهي في ترسيخ دعائم الهوية . وذلك في محاولات متكررة يائسة لإحداث القطيعة النفسية والشعورية والفكرية معها، وتشويهها لنزع المهابة عنها وتفريغ إسهامها الفكري والديني والعلمي والثقافي والحضاري من قيمته، والحيلولة دون نفاذه إلى جمهور المتلقين ، وإبطال تأثيرها الروحي والعقلي الناتج عن القناعة والاقتناع ، اللذين تتولَّد عنهما رابطة شعورية وعقلية لها الدور الأكبر فى الإصلاح والتنوير الأخلاقي والمعرفي والديني وترسيخ الهوية الذي تقوم به تلك القامات والرموز والأئمة. ويأتي الغزاليان والشعراوي في مقدمة أولئك المستهدفين من سهام دعاة الوعي الزائف ، وذلك نظرا لهذه المكانة التأثيرية المرموقة التي تبوّأها الغزاليَّان حُجّة الإسلام أبو حامد والشيخ محمد الغزالي ، ومعهما الشيخ محمد متولي الشعراوي . فإن تلك السهام المسمومة قد طالتهم ولم تتركهم لا في حياتهم ولا بعد مماتهم على حد سواء . فحُجّة الإسلام أبو حامد الغزالي الذي استطاع تبسيط قواعد الإيمان ومسائله، وتثبيتها في العقول بأبسط الأدلة القريبة من العقول وغزو القلوب والأرواح من خلال كتابه «إحياء علوم الدين»، الذي غدا مرجعا لأهل العقول والقلوب، ومنهاج القاصدين الطريق الروحي والسلوكي. قد تمَّ توجيه الطعنات إليه بأنه قد أمرضه الشفاء أي كتاب الشفاء لابن سينا الفيلسوف وأنه قد دخل جوف الفلاسفة ولم يستطع الخروج ، مع أنه كان صاحب السبق في النقد المنهجي للفلاسفة الذي انتهى فيه انطلاقا من أدوات الفلسفة وبراهينها ومذاهبها وتاريخها إلى دمغهم بالتهافت ومصادمة الأديان في عدد من المسائل ، مما اضطر ابن رشد لمحاولة الرد عليه بكتاب تهافت التهافت. والشيخ محمد الغزالي بمجرد رفضه لجماعة الإخوان المسلمين، وخروجه عليهم رموه بالزندقة، كما يحكى هو نفسه في كتاباته. ولمّا حاول بيان حقيقة الموقف الصحيح من مسألة تأثير الجن على الإنسان وتلبُّسه وإمراضه، وكذلك قيمة المرأة في الإسلام ورفضَ المفاهيم المغلوطة التي تقلّل من شأنها استنادا إلى مرويات إما غير مُسنَدة إسنادا صحيحا، وإما كانت حالات ظرفية تاريخية مخصوصة لا تتعداها إلى غيرها، وكذلك تصريحه بالاستماع إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، استنادا إلى رأيه في عدم صحة الأحاديث التي تحرم الغناء، واتفاقه مع الإمام ابن حزم الظاهري في ذلك جملة وتفصيلا، عند ذلك قاموا بنصب المشانق الفكرية له، واتهموه بإنكار السنة النبوية وجحدها، بسبب كتابه «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث». أما الشيخ الشعراوي فهو الحاضر دوما وبانتظام ممنهج في أبجديات أصحاب الوعي الزائف . وذلك الحضور الطاغي منذ كان حيّا رحمه الله . إذ كان الروائي الدكتور يوسف إدريس يستهدفه بشكل دوري كلما أراد مكانة وحضورا إعلاميا ينافس به الحضور الوجداني والفكري والديني للشيخ الشعراوي ، ولم يفوت الإعلامي مفيد فوزي فرصة إعلامية للهجوم على الشيخ الشعراوي. إلى أن وصلنا إلى الهجمات المتوالية الحالية والتي انطلقت فيها أبواق عدة ( إعلامية وفنية وثقافية ) في وقت واحد ، وعلى موجة واحدة ، مما يثير الريبة والشكوك في أهدافها ودوافعها وتوجهاتها، وهل تقتصر على مجرد الرغبة في الحد من المحبة والتقدير والتأثير الطاغي لهذا الشيخ في نفوس المتلقين من المثقفين والمختصين والعَوَام على حدٍّ سواء ، وذلك بغرض نشر ثقافة التفاهة واللامعنى والقابلية للانقياد لأوهام الوعي الزائف ودعواته ؟ أم أنها الغيرة والحسد من ضآلة وهامشية تأثير ترهات أصحاب الوعي الزائف في مقابل تأثير الشعراوي النافذ بكونه حيَّاً بيننا دوماً : مفسِّرا ، وتربويا ، ولغويا ، وزاهدا ؟ وأن مقولاته لازالت وخواطره القرآنية التي أودعها اللهُ تبارك وتعالى مهجته كما قال العظيم محمد إقبال: خواطر مهجتي صعدتْ إلى شفتي ليُبينَ عنها منطقي ولساني لازالت هديا مرشدا لعامة الأصفياء والأنقياء وطلاب العلم والباحثين عن الحقيقة وعن الرأي الرشيد والفكر السديد والإخلاص الحميد ليكون ذلك تصديقا لوعد الله تعالى : ( كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ). أم أنَّ وراء الأكَمَة ما وراءها من أغراض ؟ كاتب المقال : عميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة سابقاً