كان يراه ابنًا لا مجرد عامل، فتح له بيته، وأمنه على أسرته، وأطعمه من خيره، لكنه لم يعلم أن اليد التي امتدت بالعطاء، ستُقابل بالخيانة والطعنات، وأن الإحسان سيتحول إلى خنجر في ظهره.. في لحظة غدر انقلب المعروف إلى مأساة، وتجسدت المقولة: «اتقِ شر من أحسنت إليه».. هذا ملخص لما حدث في واحة سيوه؛ التي راح ضحيتها 4 أشخاص من أسرة واحدة. في واحة سيوة الهادئة، حيث الطيبة والمعاملة الحسنة وحب الخير والسلام، استيقظت إحدى القرى على فاجعة؛ مذبحة كاملة راح ضحيتها أب وزوجته وابنتيه، ونجا الابن الثالث والرابع بأعجوبة، بعد أن تسلّل عامل إلى الدار ليلًا، وفي نيته سرقة من أحسن إليه، لكنه ارتكب جريمة لم تشهد لها المنطقة مثيلًا منذ سنوات.. ماذا حدث؟، وكيف قابل المتهم الإحسان بالإساءة؟، وكيف نجا الابن الأكبر؟، وماذا قال الشاهد الوحيد في تلك القضية حتى الآن؟.. تفاصيل مثيرة ومأساوية.. وإلى تلك التفاصيل. جريمة هزت القلوب قبل العقول، مقتل الشيخ موسى وأسرته، ولم ينج سوى ابنه أحمد صاحب ال13 عاما، بينما يرقد الابن الأكبر يحيى صاحب ال25 عاما بين الحياة والموت داخل المستشفى، فلا حديث للأهالي سوى عن تلك الجريمة، ليست فقط لبشاعتها أو أنها حدثا جديدا عليهم، وإنما لأن القاتل خان اليد التي ساعدته وقابل الإحسان بالإساءة والمعاملة الطيبة بالغدر والخيانة، في لحظة سيطر فيها الشيطان على عقله تحول من سارق لقاتل.. قبل أن نعرف ماذا حدث، سنعود بالسنين للخلف.. الشيخ موسى عبدالوهاب، رجل خمسيني من محافظة أسيوط، ترك بلدته في دير الجنادلة بمركز الغنايم، منذ أكثر من 25 عامًا، خرج يحمل فوق كتفه حقيبة بسيطة، وفي قلبه أحلام رجل شريف يبحث عن لقمة عيش حلال وحياة مستقرة. تنقل بين المحافظات؛ يجرب حظه هنا وهناك، حتى انتهى به الطريق إلى واحة سيوة؛ حيث قرر أن يبدأ من جديد. شيد بيتًا صغيرًا، ثم مزرعة تعب في كل شجرة فيها، وكل نخلة كانت شاهدة على سنوات الغربة والكفاح. كون لنفسه حياة، وحينما فقد زوجته لم ينكسر، بل بدأ من جديد وتزوج بأخرى حتى رزقه الله منها ثلاثة أبناء؛ كانوا هم نور حياته وأمله في الدنيا. عرف بين أهالي المنطقة بطيبة قلبه، ورجاحة عقله، لا يرد سائلا ولا يرفض محتاجًا. خيرا تعمل في أحد الأيام جاءه شاب يدعى محمود، من الفيوم، يطلب العمل، لم ينتظر الشيخ موسى كثيرًا، ولم يسأله عن خلفيته، فقط منحه فرصة وأكرمه، وجعل منه فردًا في البيت، حتى وثق فيه أكثر من أبنائه، لكن لم يكن الشيخ موسى يعلم أن الشيطان يسكن خلف تلك الابتسامة الماكرة. فالعامل الذي عرف تفاصيل البيت، ومتى يدخل الشيخ موسى ومتى يخرج، وأين يضع أمواله، لم يكتف بلقمة العيش الحلال؛ فطمع فيما لا يملك، سيطر الشيطان على عقله؛ رسم خطة محكمة لسرقة من عطف عليه وفتح له بيته، بعدما عرف أنه باع مواشي ونخيل، فلمعت الأموال في عينيه، وراح يلهث وراء أحلامه المزيفة بأنه سيسرق ويهرب دون أن يكشفه أحد. ليلة الجريمة أسدل الظلام ستائره على واحة سيوة، بينما الناس نيام في هدوء مطمئنين، كان هناك من يتسلل في الخفاء، فتح باب البيت بهدوء، لا حاجة لكسر الأقفال، فصاحب الدار وثق به حد أن سلمه مفاتيحه... كان الظلام مساعده الأول، والصمت خادمه المطيع، يعرف مكان كل شيء، وأين يضع الشيخ موسى أمواله، لكنه فوجئ بزوجة الشيخ تقف خلفه، تليه ابنتاها الصغيرتان استيقظن على حركة غير مألوفة.. هنا تبدّل كل شيء. وفي لحظة هلع، تحولت السرقة إلى مأساة؛ خشي أن يُفتضح أمره، فاستل سكينًا وسقطت أول ضحية، ثم توالت الطعنات واحدة تلو الأخرى، كأن الخوف أنطق يديه، والخيانة عمَت قلبه. قتل الزوجة وقتل البنتين، ثم التف إلى الشيخ موسى نفسه، وسدّد له طعنة غادرة، نازعًا من قلبه آخر أنفاس الثقة بالبشر، ولولا عناية الله، لكان الطفل الأكبر ضحية خامسة، فذبحه المتهم من رقبته وتركه غارقا في دمائه معتقدًا أنه مات، الغريب في تلك الجريمة أن المتهم لم يقتل الطفل أحمد بل أخذه كرهينة لسبب غير معلوم ووضعه داخل شقة استأجرها في المنطقة، ثم أحضر3 سيارات لنقل كل شيء يمتلكه الشيخ موسى من أثاث ومواشي وطيور، اعتقد أن جريمته ستكتمل ولكنه لم يحسب أن الصدفة ستفسد كل مخططاته، فالطفل أحمد أبلغ أحد الأشخاص بجريمة المتهم، والذي أبلغ الشرطة على الفور، وبفضل الله ثم سرعة التحرك، تم القبض على القاتل بعد ساعات، وهو يحاول الفرار، ونقل الأهالي الناجي الوحيد للمستشفى، تحيطه الآن الدعوات بأن يتم شفاه على خير ويرحم أسرته. وفي مشهد جنائزي مهيب شيّع المئات من أهالي محافظة أسيوط، جنازة الشيخ موسى وزوجته وابنتيه، وسط حالة من الحزن الشديد بين أهالي مركز الغنايم بأسيوط، وانهيار أسرتهم وزملائهم، وأصبحت مطالبهم هي القصاص العادل وإعدام القاتل الذي قابل الإحسان بالندالة والغدر. اقرأ أيضا: فجرت خلافات بين الأزواج فدفنوها تحت الرمال.. «انجليزية» أشعلت نار الغيرة الشاهد الصغير في زاوية من زوايا بيت العائلة في أسيوط، جلس أحمد محتضنا أشقائه من الأب، لا يتكلم كثيرًا، عيونه زائغة، وصوته مبحوح. هذا الطفل هو الناجي الوحيد حتى الآن من مذبحة راح ضحيتها والديه وشقيقتيه، بينما يرقد شقيقه الأكبر يحيى في العناية المركزة، يصارع الموت. روى أحمد تفاصيل تقشعر لها الأبدان، فقال: «المتهم ضرب ماما الأول، وقعت على الأرض، بعدها ضرب أختي الكبيرة، وبعدين أختي الصغيرة، وبعدها بابا ويحيى وبعد ما وقّعهم كلهمربطهم، وابتدى يذبحهم واحد واحد». حاول أحمد الاختباء، كان يظن أن شقيقه الأكبر يحيى مات أيضًا بعد أن تلقى ضربة قاتلة، لكنه لم يعلم أنه يصارع للبقاء على قيد الحياة. لم يُدرك أحمد تمامًا ما حدث، ما زال صوته يحمل براءة الأطفال، لكن في عينيه قصة موت كاملة، يحاول أن يتماسك لكنه يتوقف عند كل كلمة كأنه لا يصدق أنه عاش هذه اللحظة بالفعل، ثم استكمل بصوت كله خوف: «خلص عليهم قدامي وأخذني لشقة وقالي لو اتكلمت هخلص عليك أنت كمان، كنت خايف لحد ما لقيت صاحب الشقة بيخبط حكيتله كل حاجة وبلغ الشرطة». هذه هي التفاصيل الكاملة لهذه الجريمة البشعة، والتي كان الغرض منها هي السرقة، جريمة راح ضحيتها 4 أشخاص دفعة واحدة، بينما يصارع الخامس الموت، والسادس طفل صغير عاش أصعب لحظات حياته وسيظل يتذكر تلك اللحظة التي قُتلت فيها أسرته أمام عينيه، والمتهم حاليا خلف القضبان بعدما أمرت النيابة بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات، والكل ينتظر الآن شفاء الابن المصاب ربما يدلي بأقوال ستقلب أحداث الواقعة فمازالت التحقيقات مستمرة.