حملت الكلمة التى ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسى عن نهر النيل أول أمس رسائل عديدة للداخل والخارج.. فهى لم تكن مجرد تصريحات سياسية، بل هى إعلان لمبدأ ثابت ظل راسخًا كالعقيدة منذ آلاف السنين «النيل ليس مجرد نهر، بل شريان حياة وحدود أمن قومى، وقضية وجود».. وتأتى أهمية الكلمة فى التوقيت والسياق الجيوسياسى الذى يحيط بمنطقة تموج بالصراعات وتزداد فيها حدة سباق النفوذ. حين أكد الرئيس أننا لن نسمح بالمساس بحقوقنا التاريخية فى مياه النيل.. فإن ذلك لم يكن تهديدًا، بل توصيفًا لحقيقة جيوسياسية يعرفها كل من قرأ تاريخ هذا البلد، وكل من حاول اللعب فى ساحة تتجاوز حدود التفاهم، لتدخل فى صميم السيادة. من يقرأ تاريخ العلاقات المصرية الأفريقية يدرك أن مصر لم تكن يومًا دولة متعالية أو مهيمنة، لكنها كانت القوة التى تدرك أن أمنها يبدأ من منابع النهر.. وكانت العلاقات بين القاهرة والخرطوم وأوغندا وإثيوبيا قائمة على التفاعل والتكامل.. لكن اللحظة الراهنة بما تحمله من تعنت إثيوبى تعيد طرح الأسئلة المهمة.. هل الصراع على المياه بات حتميًا؟.. وهل أصبحت التهديدات المائية بديلًا عن الحروب التقليدية؟! الوضع الراهن يؤكد أننا لسنا أمام أزمة مياه فقط، بل أمام اختلال فى موازين القوة الإقليمية.. إثيوبيا تحاول فرض واقع جديد على حساب التاريخ والجغرافيا، لكن ما لا تفهمه أن مصر ليست دولة يمكن تجاوزها بالسياسات العرجاء أو المفاوضات الشكلية.. فمصر التى خاضت معاركها التاريخية دفاعًا عن الكرامة والسيادة، تدير اليوم معركتها بلغة الدولة لا بلغة الانفعال. الرئيس أشار ضمنيًا إلى أن مصر تراهن على القانون الدولى، لكنها فى الوقت نفسه لا تعول عليه وحده.. فالنيل الذى صنع حضارتنا، لن نتركه فريسة للعبة المصالح.. وأنه على الجميع أن يدرك أننا أمام أحد خيارين إما تفاهم يحترم الحقوق التاريخية فى مياه النيل، أو دفاع عن الوجود والبقاء.