في مثل هذا اليوم، 13 أغسطس 1941، رحل عن عالمنا أحد أعظم العقول الاقتصادية في تاريخ مصر الحديثة، محمد طلعت حرب باشا، الرجل الذي لم يكن مجرد مصرفي أو رجل أعمال، بل كان صاحب مشروع وطني شامل هدفه انتزاع الاقتصاد المصري من قبضة الاستعمار، وبناء صناعة وطنية تليق بطموحات المصريين. لم يكتفِ بحلم إنشاء بنك مصر، بل حوّل هذا الحلم إلى مؤسسة عملاقة أسست لعشرات الشركات والمشروعات التي غيّرت ملامح الحياة الاقتصادية والثقافية في البلاد. طلعت حرب| إنشاء المصانع والشركات العملاقة الحكومية طلعت حرب باشا وُلد في 25 نوفمبر 1867 بحي الجمالية بالقاهرة، ونشأ في بيئة شعبية لم تمنعه من طلب العلم والتميز. بعد تخرجه في مدرسة الحقوق عام 1889، اتجه إلى دراسة الاقتصاد واللغات، وأتقن الفرنسية، ما فتح له أبواب الاطلاع على التجارب العالمية في التنمية. بدأ حياته العملية مترجماً، ثم تدرج في المناصب الإدارية حتى أصبح مديراً لشركات كبرى، قبل أن يؤسس "شركة التعاون المالي" لدعم المشروعات الصغيرة. عام 1911 طرح رؤيته لإنشاء بنك للمصريين في كتابه "علاج مصر الاقتصادي"، وعاد ليواجه الاحتلال البريطاني بحملة فكرية وسياسية لرفض تمديد احتكار قناة السويس، وهو ما نجح فيه. بعد ثورة 1919، تجددت فكرة البنك، فأسس "بنك مصر" عام 1920 برأس مال وطني خالص، وكان ذلك نقطة تحول في تاريخ الاستقلال الاقتصادي المصري. لم يكن بنك مصر مجرد مؤسسة مصرفية، بل منصة لإطلاق مشروعات وطنية كبرى، شملت مجالات النقل، النسيج، السينما، السياحة، الأدوية، الطيران، والملاحة. أنشأ طلعت حرب أول شركة طيران في الشرق الأوسط، وأسس "استوديو مصر" الذي أصبح حجر الأساس للسينما المصرية، مؤمناً بأن الثقافة والفنون جزء لا يتجزأ من النهضة الاقتصادية. واجه طلعت حرب ضغوطاً وأزمات مالية مدبرة من الاحتلال، لكنه قدّم استقالته حفاظاً على البنك، مردداً عبارته الشهيرة: "فليذهب طلعت حرب وليبق بنك مصر". ظل حتى وفاته في 13 أغسطس 1941 رمزاً للوطنية الاقتصادية، وترك إرثاً يؤكد أن المصري قادر على إدارة ثرواته وصناعته بنفسه. إرث طلعت حرب لا يقتصر على المؤسسات التي أنشأها، بل يمتد إلى الفكرة التي زرعها في وجدان المصريين: أن الاستقلال الحقيقي لا يكتمل إلا بالسيادة الاقتصادية، وأن الوعي والثقافة هما وقود النهضة.