إنها غزة، الملف المفتوح الذى يفرض نفسه على كل دول العالم شرقه وغربه التى تتعرض لعدوان إسرائيلى غير مسبوق منذ أكثر من 22 شهرًا يعانى أهلها من مأساة إنسانية نتج عنها الآلاف من الشهداء والجرحى والمصابين وتطورت الأوضاع فيها إلى استخدام أسلحة جديدة من التجويع والتهجير القسرى دون بارقة أمل فى الحل بعد أن عاثت إسرائيل فى القطاع فسادًا وتدميرًا وحصارًا بينما سعى العالم بدوله ومؤسساته إلى (إبراء الذمة) عن طريق الإدانة والشجب، قرارات من الأممالمتحدة لا تساوى الحبر الذى كتبت به. تل أبيب تفعل ما تريده تحاصر إسرائيل السكان فبدلاً من أن تضغط باتجاه إبقاء المعابر مفتوحة تلجأ إلى تجميل الصور مرة عبر جسر برى لم يصمد أمام أمواج غزة أو مؤسسة غزة الإنسانية التى تحولت إلى مقتلة للفلسطينيين الساعين إلى كسرة خبز تتلقف تل أبيب تصريحات ترامب عن تهجير الفلسطينيين فتبدأ فى طرح مخططات للتنفيذ على الأرض عبر مدينة غزة الإنسانية أو الدعم الجديد للسيطرة واحتلال غزة بينما دول العالم الأخرى التى تواجه ضغوطًا داخلية من شعوبها الغاضبة من مشهد الدمار والقتل لا تستطيع أن تترجم مواقفها الكلامية إلى فعل حقيقى يسعى ليقول كفي، وهذه محاولة لرصد تطورات الوضع فى غزة فى الأيام القليلة الماضية بعد الكشف عن مخطط احتلال مدينة غزة رغم الخلاف بين المستوى السياسى والعسكرى فى إسرائيل وكيف أعطت أمريكا الضوء الأخضر لنتنياهو للقيام بالعملية مع رصد لما يجرى فى المسجد الأقصي. اقرأ أيضًا | غضب عالمي وتحذيرات شديدة اللهجة ضد إسرائيل بعد قرارها السيطرة على غزة يتسم تحرك الإدارة الأمريكية تجاه الصراع فى غزة بالكثير من التناقضات فبينما أكد ترامب لمقربين منه رغبته فى حل المشكلة الإنسانية فى غزة وضمان وصول المساعدات، أعطت تصريحاته الضوء الأخضر لتطورات تكشف عنها التحركات الإسرائيلية الأخيرة تجاه قطاع غزة. كما تجاهلت الإدارة الأمريكية التعليق بعد اعتزام نتنياهو اجتياح غزة، بل وجاءت تصريحات ترامب قبل يومين من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلى اعتزامه احتلال قطاع غزة بأن قرار إعادة احتلال غزة والسيطرة عليها «أمر يعود لإسرائيل»، لتثير جدلاً واسعاً، إذ تحمل إشارة إلى إطلاق يد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى صراع تاريخى أربك منطقة الشرق الأوسط لعقود ماضية وربما قادمة. واعترف ترامب بالمجاعة المتفشية فى غزة، ووعد بإنشاء مراكز غذائية فى القطاع، وأعلن أن بلاده قدمت 60 مليون دولار لتوفير المساعدات الإنسانية. وقد واجهت إدارته انتقادات لدعمها «مؤسسة غزة الإنسانية» المثيرة للجدل، وهى مؤسسة توزيع مساعدات مدعومة من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وارتبط اسمها بحوادث مميتة فى مواقع الإغاثة. ويعكس موقف ترامب الأخير تحولا يختلف عن خطته التى أعلن عنها فور وصوله للبيت الأبيض فى بداية العام باعتزامه سيطرة الولاياتالمتحدة على غزة وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط». وهو الاقتراح الذى تضمن تهجير سكان القطاع إلى دول أخرى، ولاقى انتقادات حادة من الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان التى وصفت المقترح بأنه ينطوى على تطهير عرقي. ورغم صمت الإدارة الأمريكية تجاه التحركات الإسرائيلية فى غزة إلا أن هناك رفضا سياسيا داخليا من بعض أعضاء الكونجرس حيث صرح السناتور كريس فان هولن عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى بأن خطة نتنياهو الأخيرة غير مدعومة من الجيش الإسرائيلى او عائلات الرهائن ولكنها مدعومة من اليمينيين المتطرفين فى حكومة نتنياهو فقط وعلق على موقف ترامب من الصراع قائلا إن ترامب يعطى نتنياهو «شيكا على بياض» لاحتلال غزة، كما يورط أمريكا فيما سيسفر عنه احتلال غزة من عواقب. ورفض هولن أن يشارك دافعو الضرائب الأمريكيين بأموالهم فى عمليات تطهير عرقي. وتفقد الحكومة الإسرائيلية دعم الرأى العام الداخلى الأمريكى يوما بعد يوم، وهو ما اتضح بشكل لافت خلال تصويت مجلس الشيوخ على مقترح عضوه البارز السناتور بيرنى ساندرز بوقف إرسال أسلحة إلى الحليف الإسرائيلي. وصوت 28 عضوا ديمقراطيا من أصل 50 عضوا بالموافقة على المقترح وهو ما يمثل أغلبية ديمقراطية غير مسبوقة تقف فى مواجهة الأصوات الجمهورية التى تصوت دائما لصالح الحليف التاريخي. إلا أن نتائج التصويت التى تعد الأولى من نوعها، تعكس تحولا فى التوجه العام نحو اسرائيل حيث يتخد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى مواقف تعكس توجهات ناخبيهم وتهدف لإرضائهم. كما عمل البيت الأبيض على إنهاء حرب غزة، قبل تولى ترامب منصبه فى يناير الماضي، حتى أنه ضغط على نتنياهو لوقف إطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم حماس فى هجومها فى 7 أكتوبر 2023. وقبل شهر فقط من الآن، كان البيت الأبيض متفائلاً بإمكانية التوصل إلى اتفاق، وقال ويتكوف آنذاك «نأمل أن نتوصل بحلول نهاية هذا الأسبوع إلى اتفاق يُدخلنا فى وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً»، مضيفاً «أن ذلك قد يؤدى إلى سلام دائم فى غزة». ولكن بعد نحو أسبوعين انهارت محادثات وقف إطلاق النار، واتهم ويتكوف «حماس» علناً بالأنانية وعدم حسن النية. وقد تكون تعليقات ترامب وقراره التخلى عن المحادثات مع «حماس» والبقاء صامتا بشأن ما قد يمثل عملية عسكرية إسرائيلية جديدة واسعة النطاق حيلةً مُصممة لإجبار الحركة الفلسطينية على تقديم تنازلات جديدة على طاولة المفاوضات، وهو ما سوف تكشف عنه الأيام المقبلة. وكان سفير واشنطن لدى إسرائيل، مايك هاكابي، أكثر صراحة وصرح بأن خطة نتنياهو بشأن غزة ليست من شأن أمريكا. وقال: ليس من واجبنا أن نخبرهم بما يجب عليهم فعله أو لا، بالتأكيد، إذا طلبوا الحكمة والمشورة والنصح، فأنا متأكد من أن الرئيس سيقدمها، لكن فى النهاية، القرار بيد الإسرائيليين وحدهم.