فليس فى الأمر عجب أو دهشة من مساندتهم لها ووقفتهم بلا حدود ودعمها فى كل ما تتخذه من عربدة وإراقة دماء وتشريد أهل الأرض الحقيقيين سيمضى زمننا حتما بكل أحداثه وتستقبل الدنيا أحداثا كثيرة قد تكون أكثر إثارة ودرامية، وقد تتلوه أزمنة كثيرة يعلم الله مقدارها إلى أن تقوم الساعة. وقد نصبح ماضيا سحيقا يتناولنا أبناء ذلك الزمن البعيد بالقصص والأساطير، فلا نعلم إلى أين يصل بهم تقدمهم فيستعيد لهم كل ماعشناه صوتا وصورة. أتصور أهل ذلك الزمان القادم وهم يجترون سير من سبقوهم ونحن منهم فيتبادلون فيما بينهم حكايات وأساطير كل من يرى نفسه «نمبر وان» فى زمننا هنا وهناك فى مختلف الأصعدة،لكنهم بالقطع سوف يعلمون أن حكايا هؤلاء ال»نمبر وان» كانت بمنزلة الأسطورة المبنية على الكذب وإيهام الآخرين بعكس الحقيقة مستغلين للتغييب كل أساليب البلطجة، خصوصا فى «نمبر وان» عالمنا المعاصر العم سام، ومثله ممن اقترب من همجيته وغروره كمثل الإمبراطور الرومانى نيرون وما فعله وهو يشاهد عاصمة ملكه روما تحترق وهو يعزف على القيثارة ويغنى، ومثل زعيم الحزب النازى الألمانى أدولف هتلر حين اخترع حكاية الجنس الآرى المتفوق على كل الدنيا، وأورد أهله وبلده موارد الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية بمقتل ما يزيد على خمسة ملايين ألمانى بين عسكريين ومدنيين، فضلا عن دمار المدن والمصانع الألمانية بسبب غرور الفوهرر هتلر.. وليس هناك أحق فى عصرنا بلقب «نمبر وان الكذّاب» من القوة العظمى الأولى حاليا أمريكا ورئيسها وقد بنوا تاريخهم على التسلط والكذب، بل نشأوا على أرض ليست لهم وأبادوا شعبا كان يقيم حضارة هناك وتوافدوا أشتاتا من هنا وهناك، تماما مثل ربيبتهم إسرائيل المزعومة، فليس فى الأمر عجب أو دهشة من مساندتهم لها ووقفتهم بلا حدود ودعمها فى كل ما تتخذه من عربدة وإراقة دماء وتشريد أهل الأرض الحقيقيين واستمرار محاولة تهجيرهم؛ فكل ذلك قامت به أمريكا حين نشأت وأكملت سيطرتها على الأرض وتجريفها من أهلها الأصليين بتجريف دول العالم من صفوة عقولها مستغلة ظروف دولهم الأصلية، فأغرتهم بالهجرة حينا تلويحا بالإمكانيات والحرية وحقوق الإنسان، وبالتهديد حينا لمن يتمنع ليبنوا لها تقدمها العلمى والاقتصادى ومن ثم العسكرى الذى يضعها على قمة العالم حاليا، وإلى حين قريب تتهددهم قوى عظمى أخرى كالصين لتزيحهم من فوق عرش مزيف. إن الكذب الذى ظلت أمريكا ومازالت تمارسه على العالم وتتلاعب من خلاله بقرب التوصل لتسوية بين الفلسطينيين وبلطجة نتنياهو ليس إلا ستارا لاستمرار تنفيذ مخططات خريطة الشرق الأوسط الجديد كما يتوهمونها ويعملون على تنفيذها. هذا الكذب عاد بى إلى ما قرأته فى كتاب»لماذا يكذب القادة» للكاتب البروفيسور جون جى ميرشيمر الأكاديمى المتميز بجامعة أوكسفورد. فهو يناقش تبرير كذب القادة على شعوبهم، سواء للوصول لمجد شخصى أم حتى بخلق واقع عالمى جديد إن كان القائد يحكم دولة تتحكم بمصائر الدول الأخرى الأصغر منها حجما وقوة اقتصادية أو عسكرية كما نحن بصدده فى حالة أمريكا، التى رصد لها المؤلف مجموعة من المواقف التى كذب فيها القادة على الشعب أو على العالم، ونجم عن ذلك الكذب فى كل مرة حرب وواقع جديد يرتبط بحجم أمريكا دوليا، أو لإرضاء نزعة نرجسية لدى الرئيس الحاكم للبيت الأبيض. وضرب مثلا بثلاث من الكذبات الدولية التى أعد لها وقام بها عبر ستين عاما من منتصف الأربعينيات حتى مفتتح الألفية الحالية ثلاثة رؤساء: روزفلت وجونسون وجورج دبليو بوش، أطلقوا ثلاث كذبات لتنجم الأولى عن دخول الولاياتالمتحدة الحرب العالمية الثانية، وتتسبب الكذبة الثانية فى غزو فييتنام لتتحول لمستنقع من الوحل وقعت فيه أمريكا. أما الكذبة الثالثة فقد تسببت فى غزو أمريكى للعراق على مرأى ومشهد من عالم يلعب الكذب الأمريكى فيه دور البطولة فى تسيير قراراته المصيرية. ومايزال نمبر وان يكذب!