في عالم أصبح فيه الهاتف المحمول بوابة للفرص والثروات، صعد تطبيق "تيك توك"ليتحول إلى منصة ذهبية لصانعي المحتوى حول العالم، ومن بينهم عدد كبير من "البلوجرز"المصريين الذين حققوا ثروات طائلة في زمن قصير، وبينما يتباهى البعض بسيارات فارهة ومنازل فخمة، يشتعل الجدل حول نوعية المحتوى، وحدود المسموح والمرفوض أخلاقيا وقانونيا. شهدت منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها "تيك توك"،تحولا جذريا في السنوات الأخيرة، حيث باتت مصدر دخل رئيسي لعدد من صانعي المحتوى، لا سيما في العالم كله ،فقد أصبحت هذه المنصات ساحة مفتوحة للمنافسة في مجال تحقيق الأرباح السريعة، غير أن هذا السباق المحموم أفرز أيضا محتوى أثار استياءً مجتمعيا وفتح أبوابا من التساؤلات القانونية والأخلاقية. يعتمد الربح من "تيك توك" بشكل رئيسي على البث المباشر وتفاعل المتابعين من خلال ما يعرف ب"الهدايا الرقمية"، وهي رموز افتراضية يشتريها الجمهور بأموال حقيقية ويمنحونها لصانع المحتوى أثناء البث، ويختلف ثمن هذه الهدايا باختلاف نوعها، حيث تعتبر "هدية الأسد"من أغلاها وتصل قيمتها إلى نحو 20 ألف جنيه مصري، فيما تعد "الوردة"من أرخصها بقيمة لا تتجاوز 22 جنيها، ويحصل صانع المحتوى على نسبة تتجاوز 50% من قيمة هذه الهدايا. وبحسب محمد حنفي، مدير أكاديمية التسويق الرقمي التابعة لوزارة الاتصالات المصرية في تصريحات صحفية ، فإن التربح من "تيك توك" لا يقتصر على الهدايا فقط، بل يشمل أيضا الأرباح الناتجة عن الإعلانات والرعايات التجارية، وتعمل المنصة بنظام تقاسم الإيرادات مع صناع المحتوى. وأشار حنفي إلى أن هذا المجال ينقسم إلى مسارين واضحين: أحدهما قانوني وشرعي، يقوم فيه صانعو المحتوى بإنتاج فيديوهات هادفة تلتزم بالأخلاقيات العامة، وتلقى استحسانا واسعا، بينما يتمثل الآخر في محتوى مخالف للآداب العامة وقيم المجتمع، وغالبا ما ينطوي على انتهاكات قانونية واضحة،وقد تم رصد حالات استخدمت فيها المنصة كأداة لغسل الأموال، عبر تقديم هدايا مرتفعة القيمة ثم استردادها لاحقا. من جهته، أكد خبير أمن المعلومات مصطفى أبو جمرة أن صناعة المحتوى الرقمي باتت تفوق في شعبيتها وأثرها الإعلام التقليدي، ويعود ذلك إلى سهولة أدوات الإنتاج، وتوفر وسائل التفاعل الفوري مع الجمهور،لكنه حذر من أن هذه البساطة استغلت في بعض الأحيان لأغراض غير قانونية، مشيرا إلى أن المنصات مثل "تيك توك"وفرت بيئة خصبة لأشكال من الانتهاكات، سواء الأخلاقية أو المالية. اقرأ أيضا:تيك توك تحذف 16.5 مليون فيديو مخالف لإرشادات المجتمع خلال 3 أشهر| تقرير وشهدت مصر في الآونة الأخيرة انتشارا واسعا لمقاطع خادشة للحياء ومخالفة لقانون تقنية المعلومات، ما دفع السلطات إلى التحرك أمنياً، حيث تلقت الجهات المختصة بلاغات عدة، وتم على إثرها تنفيذ حملات لضبط المتورطين في صناعة محتوى غير لائق على المنصات. ويرى مراقبون أن هذا الواقع يطرح إشكالية كبرى حول الدور الرقابي والتشريعي، ويدعو لإيجاد توازن بين حرية التعبير والضوابط المجتمعية، خصوصا في ظل ما توفره المنصات الرقمية من أدوات تفتح الباب للجميع، دون تمييز بين المحتوى الجيد والمسيء. بينما يفتح "تيك توك"أبواب الثراء والشهرة لصانعي المحتوى، تظل معضلة التوفيق بين حرية الإبداع والحفاظ على قيم المجتمع تحديا مستمرا،ففي الوقت الذي يحتفي فيه البعض بنجاحهم المالي السريع، يبقى السؤال الأهم: هل نملك المعايير الكافية لضبط هذا الفضاء الرقمي قبل أن تتحول المنصة من أداة لصناعة النجوم إلى نافذة لانفلات القيم؟