في البداية ظننتُ الملصق مجرد دعابة، غير أن تطورات الأحداث أثبتتْ أنه واقع سمج، يفوق ثِقل دم الكثير من «النُّكَت» على منصات التواصل الاجتماعي. مظاهرة تطالب بوقف التجويع، فى عقر دار من استخدم ألعاب الجوع سلاحاً للإبادة الجماعية، وبدلاً من أن تكون الوقفة أمام مقر حكومة الكيان الصهيوني، رفع المشاركون فيها لافتاتهم أمام السفارة المصرية هناك، مع تصريحات غرائبية تستهدف السياسة المصرية، فى مشهد يتفوق على كل خيالات أفلام الفانتازيا وتهويماتها. وفي مثل هذه الحالات يتوقف العقل السليم عن العمل، أمام ممارسات عقول أتلفتها العمالة. ما معنى أن يُمسك أهل المجنى عليه بخناق مَن يدافع عنه، بينما يقف القاتل مبتسماً، لأنه وجد من يطيح بالتهمة بعيداً عن ملعبه؟، والعجيب أن هذا يجرى فى وقت انحازت ضمائر الكثيرين بقوة نحو ملايين الضحايا، وبدأت دولٌ عديدة تخطط للاعتراف بالدولة الفلسطينية. التوقيت إذن مثير للدهشة، غير أن العجب يتراجع إذا عرفنا خلفيات المتظاهرين، وعلاقاتهم المتشابكة مع الكيان الصهيونى وجماعة الإخوان الإرهابية، وهى علاقات تهدف لتشويه دور سياستنا الخارجية، وضرب عصفورين بحجر واحد: التشويش على مجازر الاحتلال، والانتقام من إفساد جانب أساسى من مخطط شرذمة المنطقة عبر رفض مؤامرة التهجير. تصلح الواقعة كفكرة جيدة لمسرحية هزلية تعتمد على المفارقة فى أبهى صورها، غير أن الفكاهة تتراجع أمام خطورة أزمة وجودية، تزيد فى وطأتها عن مؤامرة تقسيم قديمة، أعادت تشكيل خريطة المنطقة فى أعقاب اتفاقية «سايكس بيكو»، فقبل عشرات السنين اقتصر الأمر على التلاعب بالحدود، لكن الأرض احتفظتْ بعروبتها، أما ما نشهده حالياً فسعيٌّ للعبث بخطوط الطول والعرض، كى يتمدد الكيان الصهيونى ويحقق حلم دولته الكبرى، والغريب أن من بيننا من يساعده على ذلك بوعي، أو بجهل لا يقل وطأة عن الخيانة العظمى. حتى الأسبوع الماضى كنت أعتقد أن ما يجرى هو حيلة نفسية اسمها «الإزاحة»، لكننى الآن متأكد أننا أمام جريمة دنيئة، يتحلّى مرتكبوها بأكبر قدر من «البجاحة»!!