يعيش المجتمع المصري تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة، ولعل ظهور تطبيق «تيك توك» والعديد من المنصات الأخرى، أدى إلى تجاوز مرحلة التسلية والترفيه، لتصبح ساحة مثيرة للجدل، بل وللمساءلة القانونية. ويجد بعض الشباب والسيدات، ضالتهم في الشهرة والثراء السريع، عبر مقاطع قصيرة، ذات محتوى غير هادف، بل يسيء للقيم المجتمعية، لكن ما يثير القلق أكثر هو أن بعض هؤلاء باتوا في مرمى شبهات تتعلق ب«غسل الأموال»، والاتجار بالبشر، والتحريض على الفسق»، بل وحتى الترويج للمخدرات. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نحن أمام صناعة محتوى عشوائي.. أم منظومة موازية من الفساد تستغل منصات التواصل؟ ومن المسؤول؟ وهل الحل هو الإغلاق التام أم الضبط القانوني؟. ◄ جرائم تُرتكب على تيك توك ومن أبرز الأمثلة على ذلك، التيك توكر «كروان مشاكل» والإعلامية «إنجي حمادة»، اللذان تم القبض عليهما، بسبب بث مقاطع فيديو تحرض على الفسق، كما شملت هذه التهمة حالات أخرى مثل التيك توكر «أم رودينا» وبناتها. من أحدث القضايا في هذا السياق، تم التحقيق مع التيك توكر «أم مكة» و«أم سجدة»، بتهمة نشر مقاطع فيديو تحتوي على ألفاظ خادشة للحياء، بهدف تحقيق أرباح، من خلال زيادة المشاهدات. أيضا، هناك اتهامات بالاتجار في البشر، واستغلال القاصرات، حيث تُعد من أخطر الاتهامات، التي تم توجيهها لبعض «التيك توكرز»، تتضمن استدراج الفتيات القاصرات، أو استغلالهن لتصوير مقاطع فيديو مقابل مبالغ مالية، وهو ما يُعتبر اتجارًا بالبشر. من أبرز الأمثلة على هذا النوع من القضايا قضية «حنين حسام» و«مودة الأدهم»، حيث تم اتهامهما بإنشاء وإدارة حسابات على تيك توك، لاستغلال فتيات قاصرات. ◄ ترويج المخدرات والاتجار بها في بعض الحالات، تتجاوز التهم المتعلقة بالمحتوى الرقمي إلى جرائم جنائية أخرى، مثلما تم القبض على التيك توكر «أم يوسف الواجهة»، وزوجها.بتهمة حيازة والاتجار في المواد المخدرة. ◄ نشر الشائعات والتشهير استغل بعض التيك توكر، منصات تيك توك، لنشر معلومات كاذبة، أو التشهير بأشخاص آخرين، وكان سببًا في القبض عليهم، على سبيل المثال، تم القبض على تيك توكر بعد اتهامها بنشر شائعات حول تورط فنانة في تجارة الأعضاء البشرية. أما بخصوص «أم مكة»، فقد تم التحقيق معها على خلفية مشاجرة مع إعلامية داخل استوديو تلفزيوني، وتضمنت الاتهامات تبادل اتهامات بنشر محتوى غير أخلاقي والتشكيك في مصادر الثروة. وهناك تهم أخرى متنوعة تُوجه إلى «التيك توكرز»، مثل التربح غير المشروع من خلال المحتوى المخل بالآداب، وأحيانًا تكون التهمة محددة بسب وقذف شخص بعينه، كما حدث في قضية التيك توكر «سوزي الأردنية»، التي تم القبض عليها بعد انتشار فيديو تسيء فيه لوالدها. ◄ غسل أموال من جانبه، أكد المهندس تامرمحمد، خبير تكنولوجيا المعلومات، أنه بعد تحليل الكثير من المعطيات، فإن المشهد السائد هو أن ما يحدث «غسل أموال»، موضحًا أن الجريمة تبدأ من خلال شخص يحصل على أموال هائلة من جراء الكسب غير المشروع، ولا يستطيع أن يضع هذه الأموال بشكل رسمي في البنوك، لذلك لا يستطيع الإجابة على سؤال من أين لك هذا؟. اقرأ أيضا| «الداخلية» تكشف تفاصيل ضبط البلوجر «أم مكة» و«أم سجدة» بسبب فيديوهات مسيئة وأضاف أن معظم هؤلاء المشاهير، يعملون مع وكالات متخصصة في هذا المجال، وهي المسؤولة عن هذه العمليات، من المنح المالية، التي يحصل عليها هؤلاء، خلال البث المباشر «اللايڤات»، حيث يحصل الشخص على جزء من الأموال التي تأتي من الهدايا، مشيرًا إلى أن «التيك توك» يحصل على نسبة تتراوح من 20 إلى 50% من قيمة هذه الهدايا، والتي يتم دفع معظمها بأموال خارجية، أي ليست عن طريق بطاقات دفع مصرية. ◄ تحديد مقدمي المحتوى وكشف خبير تكنولوجيا المعلومات، عن أن «التيك توك» يحصل على نسبته، والوكالة تحصل على نسبتها، من أجل إعادة الأموال إلى صاحبها الذي يريد غسلها، بينما يذهب الجزء المتبقي إلى الشخص «التيك توكر»، لذلك نرى هدايا بأرقام خيالية، بالإضافة إلى الأرباح التي يحصل عليها «التيك توكر» من المشاهدات والتفاعل. وعن قيام شركة «تيك توك» باختيار أشخاص محددين وتوجيه الحشود لهم.. أكد خبير تنولوجيا المعلومات، أن الأمر يعتمد على الشخص نفسه، موضحًا أن الأشخاص الذين يقدمون الهدايا يكونون من طرف الشركة الوكيلة التي تدير «تيك توك»، مشيرًا إلى أنهم يقومون باختيار أشخاصًا ليس لديهم أي «قيمة» أو «إضافة» لتقديمهم للمجتمع، حتى لا يستطيعوا تقديم محتوى، إلا من خلال الفيديوهات «المنحطة» أو الخارجة عن الآداب. ◄ من يراقب علي التيك توك؟ وأوضح المهندس تامرمحمد، أن مسؤولية المراقبة تقع على عاتق الهيئة الوطنية للإعلام، والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، والأجهزة الأمنية، واعتبر أن التحركات الحالية من قبل الدولة، هي بداية للتعامل مع هذه الظاهرة، سواء للحفاظ على العادات والتقاليد المجتمعية والدينية، أو بسبب «الخراب» الذي تسببه هذه الفيديوهات للأجيال الصغيرة. وأكد أن وجود مكتب ل «تيك توك» في مصر، سيجعل الأجهزة المعنية قادرة على إخضاع الشركة للقوانين المصرية، وهو أمر مهم لأن سياسة غلق التطبيق ليست هي الحل الأمثل، أيضا سيعطي الأجهزة المعنية، القدرة على إلزامها بالضوابط والقوانين المحلية. ◄ التأثير المجتمعي وفي ذات السياق، صرحت هالة منصور أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها ل «بوابة أخبار اليوم»، أن ظاهرة تطبيقات مثل «تيك توك» و«البلوجرز»، قد تم التحذير منها منذ فترة طويلة، وأن العديد من الدول قد حظرتها. وأكدت على ضرورة إغلاق هذا التطبيق في مصر، مشيرة إلى أن سلبياته تفوق فوائده بشكل كبير، أما عن فئة المثقفون المستفيدة من التطبيق، يمكنهم الوصول إلى جمهورهم عبر منصات أخرى. ووصفت التطبيق بأنه مصدر للمشاكل والانحرافات، وأنه يهدر كل القيم المجتمعية، بما في ذلك قيمة المال، مشيرة إلى أن المال يُكتسب بسهولة ويظهر الثراء الفاحش على أشخاص، في حين يعاني آخرون يكسبون رزقهم بجهد. ولم تقتصر أستاذة علم الاجتماع على الجانب المالي، بل تطرقت إلى ظهور أنشطة منحرفة أخرى مرتبطة بالتطبيق، مثل بيع حسابات مزورة بعدد كبير من المتابعين، واعتبرت أن هذه المنظومة بأكملها «فساد وإفساد». ◄ إغلاق تيك توك ورأت أن ظاهرة القبض على هؤلاء الأشخاص، هي ظاهرة صحية، لكنها شددت على ضرورة إغلاق التطبيق بالكامل من قبل الدولة، لأنه من صلاحياتها وإمكانياتها، وذلك حفاظًا على الأمن العام والسلم المجتمعي والأخلاق والقيم. اقرأ أيضا| القبض على البلوجر سوزي الأردنية داخل شقتها بالقاهرة الجديدة وعلى المستوى الأخلاقي والمجتمعي، لفتت أستاذ علم الاجتماع، إلى أن بعض المتابعين يتأثرون بخفة دم هؤلاء الأشخاص ويتبنون سلوكياتهم وتصرفاتهم و«ابتذالهم»، وأن الكثير منهم يبتذلون أنفسهم فقط لإضحاك الناس وزيادة نسب المشاهدة. وأكدت على أن استخدام الدين والقرآن والأحاديث الشريفة، لتحقيق نسب مشاهدة عالية هو أمر «معيب»، حيث يتم استخدامها بشكل غير لائق لجذب المتابعين والضغط عليهم، وهو نوع من المتاجرة بكل شيء.