لم يعد «تيك توك»، مجرد تطبيق ترفيهى كما يظن البعض، بل تَحَوَّل إلى كأس عسلٍ ممزوج بالسم، يُغرى شبابنا بمذاقه السريع، بينما يقتل ببطء قيم المجتمع وأخلاقياته، إنه سم قاتل يتسلل إلى بيوتنا دون استئذان، يزرع فى عقول أبنائنا أوهام الشهرة السريعة والثراء بلا جهد، ويغرس فى وجدانهم ثقافة سطحية تُقصى العمل الجاد والعلم إلى الهامش. تشير الإحصاءات إلى أن مصر تضم أكثر من 37 مليون مستخدم على تيك توك، لتتصدر إفريقيا فى عدد المستخدمين، والأدهى أن سوق الإعلانات عبر المؤثرين على التطبيق المنصة حاليا يُقدَّر ب 42 مليون دولار، مع توقعات بارتفاعه إلى 60 مليون دولار بعد سنوات قليلة، أى أن التفاهة لم تعد هواية بل تجارة رائجة، تجذب أموالًا هائلة على حساب أخلاق المجتمع. فى المقابل، أصبح نجوم التيك توك مثل «أم فلان» و«أم علان»، وكل النماذج الكريهة من قاع المجتمع رموزًا للشهرة السريعة، ليس بفضل علم أو موهبة، بل لأنهم أتقنوا صناعة الهبوط الأخلاقى وبيع المحتوى المبتذل، بعض هؤلاء يربحون يوميًا عبر الهدايا فى البث المباشر ما قد يصل إلى ألف دولار فى الليلة الواحدة، بينما الشباب المُتعلم، الذى يقضى سنوات بين الكُتب وقاعات الجامعات يتحسر على سنوات عمره التى ضاعت فى التعليم! إذن الرسالة واضحة للشباب المصرى ومفادها «اترك العلم والتعب، واصنع فيديو تافهًا، وفى كام يوم ستتحول لنجم تنزل عليك الأموال زى الرز، وتحقق كل أحلامك!». إنها وصفة مثالية لزرع الخيبة واليأس فى نفوس الأجيال الصاعدة، ولتجريف قيمة العمل والاجتهاد، وإعادة تشكيل شخصية جيل كامل وتشويه هويته. إن استمرار هذا التطبيق دون ضوابط صارمة، جريمة مكتملة الأركان بحق المجتمع، لأننا لا نتحدث عن منصة للتسلية، بل عن آلة لتحطيم صورة القدوة وتدمير المعايير، وزرع ثقافة الثراء السريع بكل السُبل الرخيصة أخلاقيًا. وهنا يجىء النداء، على الدولة والمجتمع أن يقفا صفًا واحدًا لوقف هذا النزيف القيمى، فالأمر لم يعد يحتمل الصمت أو التهاون، التيك توك ليس مجرد تطبيق، بل سم قاتل وقنبلة موقوتة تنخر فى جسد الوطن، وإذا لم نتحرك الآن لإغلاقه أو ضبطه بصرامة، فسنستيقظ غدًا على جيل ضائع بلا هوية ولا مستقبل.