مع الارتفاع غير المسبوق فى درجات الحرارة الذى تشهده دول عديدة حول العالم، تَكاثرت التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة، وذهب البعض إلى تفسيرها بأنها «غضب إلهي» وعقوبة على الذنوب والمعاصي، وفى ظل هذه التصورات، أكد علماء الشريعة أن مثل هذه الظواهر الطبيعية ليست دليل نقمة من الله تعالى، بل هى من آيات الكون التى تحمل فى طياتها عِبَرًا وتذكيرًا بنعمة التقلّب، وامتحانًا واختبارًا لثبات الإيمان والصبر. حول هذا يؤكد د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن ما نشهده من ارتفاع غير مسبوق فى درجات الحرارة له أسباب طبيعية وبيئية وبشرية، وأن الزعم بكونه غضبًا من الله هو من الغلو فى الفتوى والتطرف غير المقبول، مضيفًا: «لو كان ارتفاع الحرارة غضبًا إلهيًا، فكيف نفسر ما حدث فى موسم الحج 1445ه، حيث بلغت الحرارة أكثر من 50 درجة مئوية فى أشرف البقاع ؟». اقرأ أيضًا | وزارة الأوقاف تنظم ندوات بعنوان "الحفاظ على البيئة وأثره على الفرد والمجتمع" وأضاف أن هذه الظاهرة الكونية تحمل عظات تربوية وروحية، ومنها التذكير بنعم الله علينا كالكهرباء والتبريد والمياه، وعلينا أن نقتدى برسول الله وصحابته الكرام الذين واجهوا مثل هذه الأجواء القاسية دون وسائل الراحة، وخرجوا فى غزوات وجهاد ودعوة، مثل غزوة تبوك التى وقعت فى شدة الحر، وقد واجهها المنافقون بالتخاذل فقالوا:«لَا تَنْفِرُوا فِى الْحَرِّ» فرد عليهم القرآن: «قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ». وأوضح كريمة «الحر الشديد يفتح باب الدعاء والرحمة؛ فقد جاء فى الحديث الشريف أن من قال فى الحر: اللهم أجرنى من حر جهنم، أجاره الله منها»، مشيرًا إلى أن حر الدنيا تذكير بحر الآخرة، لكنه لا يعنى سخط الله على عباده. وشدد الشيخ أحمد المراغى، إمام وخطيب بالأوقاف على أن الله تعالى خلق الكون فى تنوعه وتقلّب فصوله، كنعمة واختبار، مضيفًا: «الحر، والبرد، والجفاف، والمطر، والظلال، والسرابيل... كلها من دلائل قدرة الله ونِعَمه الظاهرة والباطنة التى يجب تأملها وشكرها». واعتبر أن الحر الشديد ظاهرة كونية متكررة حدثت حتى فى زمن النبى والصحابة، وهم خير البشر وأطهرهم، وقد أُصيبوا بالأذى والتعب كما يحدث معنا اليوم. وأشار الشيخ المراغى إلى أن تغيرات المناخ تدل على قدرة الله الباهرة، وأنها بمثابة نُسَخ مصغرة من مشاهد يوم القيامة من حر، وعرق، وتبدّل أحوال، مؤكداً أن من يستلهم منها العبرة فقد فاز واعتبر. وأضاف أن الشريعة الإسلامية تراعى الضعف البشري، فجاء فى السنة النبوية تأخير صلاة الظهر وقت شدة الحر تخفيفًا على الناس، وذلك لما ورد عن النبى : «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم». وأوضح أن مراعاة الناس فى الحر من السنة، ويستحب فيها توفير الماء للمارّين، والتخفيف عن أصحاب الأعمال الشاقة، وكثرة الدعاء والاستغفار، والتقرب إلى الله بالصيام والاستعاذة من النار.