يقبل فصل الصيف، فتشتد الحرارة، ويعاني الناس من حره، وسخونة أجوائه، فيحاولون تتقليل إحساسهم به، بتخفيف ملابسهم، أو بالانتقال إلى المصايف؛ التماسا لنسمات باردة من الهواء، أو العناق المنعش لمياه البحار، أو طلبا للجو اللطيف. وعلى مستوى البشرية، يشهد الصيف تخفف الكثيرين من ضغوط الحياة وأعبائها، وإخلادهم إلى شيء من الدعة والراحة، وانتقالهم لأماكن أخرى داخل بلادهم، أو خارجها، من أجل الاصطياف، وتجديد النفس، والحياة. إن هذا لا يتحقق إلا بالنظر في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يدفعنا إلى أن نجعل شعارنا في الصيف: العودة إلى الله تعالى، وتجديد الصلة والعلاقة معه، مع الاجتهاد في الطاعة، وحساب النفس ومُساءلتها، بُغية تقويمها، والاقتراب أكثر من الله، باعتبار ذلك المفتاح الحقيقي للتجديد المنشود. الحَر آية إن شدة الحر والبرد آية من آيات الله تعالى. وقد جعل سبحانه في المكان والزمان موضعا للتفكر والاعتبار، فبعض الأماكن حار مما يذكر بلهيب النار، وبعضها رطب مما يذكر بنعيم الجنة. و"الزمان منه حار الطقس كالصيف، مما يذكر بحر جهنم، أو البارد كالشتاء، مما يذكر بزمهريرها، أو المعتدل كفصل الربيع، مما يذكر بنعيم أهل الجنة، وما أعده الله تعالى لأهلها من متاع". (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف). الحر في الأحاديث جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذِنَ لها بنَفَسَيْن، نَفَس في الشتاء ونَفَس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سَموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم". وفي الحديث الصحيح: "إذا اشتد الحر فأبرِدوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم" ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فأبردوا عن الصلاة" أي: أخروا صلاة الظهر إلى حين يبرد النهار، وتنكسر شدة الحر. "الحَر" في القرآن ورد ذِكر "الحَر" في القرآن ثلاث مرات، الأولى في قوله عز وجل في سورة النحل، ممتنا على خلقه: "وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ وسرابيل تقيكم بأسكم". كما ورد مرتين في آية واحدة من سورة التوبة، إذ قال تعالى: "فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (التوبة:81). يذم تعالى المنافقين المتخلفين عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وتعللهم بشدة الحر، وفرحهم بقعودهم بعد خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الغزوة. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد