أطفال يتحركون في شوارع رئيسية، يقطعون الطرقات، يقتربون من السيارات، يتفادون الموت بالصدفة لا بالمهارة، ويظنون أن المغامرة حرية، بينما هي في الحقيقة قرابة للهلاك، فما بين سكوتر يشحن بالكهرباء، وطفل مشحون بالحماس والاندفاع، تكمن احتمالية كارثة على وشك الحدوث، فالمشكلة لا تقتصر فقط في الطريق أو في المركبة، بل فيمن يضع المفتاح في يد طفل لم يتعلم بعد أن الحياة أغلى من المغامرة.. وأن اللعب في بعض الأحيان قد يتحول إلى موت صامت.. ففي حقيقة الأمر.. نحن امام كارثة محتملة رغم أنه لعبة عصرية وتريندي، إلا أنه تحول في الواقع إلى قنبلة موقوتة تسير على عجلتين، وقد نزع عنها صمام الأمان، فانتشاره الكارثي بين أيدي الأطفال وبالاخص في المناطق السكنية بشكل عام، أصبح خطرًا حقيقيًا يهدد أرواحًا بريئة، ولعل أكثر ما يثير القلق، هو أن هذه الظاهرة لا تنمو في الظل، بل صارت على مرأى ومسمع من الجميع، تفاصيل اكثر إثارة سوف نسردها فى داخل السطور التالية. في مشهد يتكرر يوميًا في شوارعنا، سواء في المناطق السكنية الراقية، أو المدن الجديدة، أو حتى في الحارات الضيقة للأحياء الشعبية؛ يظهر طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره أو أقل قليلا، منطلقًا على سكوتر كهربائي، بسرعة قد تقترب من 50 كيلومترًا في الساعة، يشق طريقه بين السيارات والمارة وكأنه فارس على جواد، لا يدرك حجم الخطر الذي يركبه، ولا يجيد قراءة إشارات المرور، ولا يفهم قوانين الطريق والمرور نهائيًا.. المشهد لا يقابل باندهاش، ولا يثير قلقًا لدى كثير من المارة، بل أصبح مشهدًا عاديًا مألوفًا يوميًا، وكأن لا أحد يرى أن طفلًا يقود مركبة دون ترخيص ودون تدريب ودون أي وسائل حماية في وسط بيئة مرورية لا ترحم الخطأ، ولا تغفر الحماقة، لكن في حقيقة الامر المشكلة ليست في الطفل، بل بنا نحن الكبار.. أي في الأهل الذين استسلموا لموجة الموضة، بل يرضخون لرغبات أطفالهم.. وقرروا أن السكوتر الكهربائي مجرد لعبة من أجل أن الطفل يلهو ويخرج من كبت الامتحانات والمنزل.. بل المشكلة الاكبر تكمن ايضًا في المجتمع الذي سمح للمحلات الصغيرة أن تضع المفاتيح في يد قصر مقابل مبلغ مالي دون أدنى مسئولية قانونية أو أخلاقية.. وكل ذلك من أجل حفنة من الأموال مستقبل أولادنا أصبح في يدهم. فالسكوتر الكهربائي هو مركبة صغيرة الحجم تعمل بمحرك كهربائي وبطارية قابلة لإعادة الشحن خلال ساعات قليلة.. يستخدم في العديد من دول العالم كوسيلة تنقل خفيفة داخل المدن خصوصًا في المناطق ذات الكثافة المرورية العالية.. لكنه في مصر خرج من كونه أداة مواصلات وتحول إلى لعبة شعبية بين الأطفال والمراهقين.. ويمتاز النوع المنتشر حاليًا في مصر بأنه يشبه الموتوسيكل الصغير، يحتوي على مقعد، وعجلات متوسطة الحجم، يشبه «الفطوطه» كما كان يطلق عليه زمان.. وسرعات تلك السكوتر قد تصل إلى 50 كيلومترًا في الساعة.. ولا يتطلب ترخيصًا رسميًا، كما يتاح في الأسواق المحلية بأسعار تبدأ من 8000 جنيه، وقد يصل الى 30 ألف جنية في بعض المناطق وعلى حسب نوعه.. بل يؤجر بالساعة مقابل 150 جنيها تقريبًا داخل المدن السكنية الجديدة والمولات، ولا تفرض هذه المحال أي توقيع على تعهدات قانونية، أو تقديم ما يثبت السن القانوني، أو توفير أدوات أمان أو حتى شرح تعليمات الاستخدام. انتشار السكوتر الكهربائي في مصر تدريجيًا مع بداية الاعتماد عليه كوسيلة مواصلات بديلة في المدن الجديدة وبسبب زيادة الزحام.. إلا أن التحول الأخطر بدأ عندما بدأت بعض المحلات الصغيرة تأجيره، خصوصًا داخل الكمباوندات الراقية والمولات في التوسع بخدمة التأجير للأطفال دون أي رقابة حقيقية من الأهل.. بل تم تسويق السكوتر للأطفال باعتباره لعبة عصرية آمنة، سهلة الاستخدام وهو ما فتح الباب أمام آلاف الأطفال والمراهقين لقيادته دون وعي ولا تدريب ولا إدراك لعواقب الأمور. كما أنه ذلك السكوتر الكهربائي لا يحتاج إلى ترخيص لا يطلب من مستخدمه حمل رخصة قيادة.. لا توجد قوانين تمنع بيعه أو تأجيره لمن هم دون السن القانوني، كل هذا سمح بانتشار تلك الظاهرة وأعطى مراكز البيع والتأجير مبررًا قانونيًا للتهرب من المسئولية، رغم حجم الخطر الذي يتسبب فيه كل سكوتر يقوده طفل صغير في الشارع. خطورته الكارثة الحقيقية أن السكوتر الكهربائي رغم صغر حجمه إلا انه يعد مركبة كاملة من الناحية المرورية؛ فيملك قدرة حركية لا تستهان بها، ما يجعله خطرًا حقيقيًا في يد غير مؤهلة مثل السرعة.. فغالبًا ما يتراوح وزن الطفل المستخدم للسكوتر بين 25 و40 كيلوجرامًا وهي أوزان لا تناسب التحكم الكامل في مركبة تسير بسرعات تصل إلى 50 كيلومترًا في الساعة، كما ان أغلب الأطفال يقودون السكوتر دون خوذة أو واقيات أو حتى حذاء مناسب..أيضًا هذه المركبة غالبًا لا تحتوي على مرايا أو إشارات انعطاف أو أدوات تحذير ضوئية.. والخطر الاكبر أن هؤلاء الاطفال لا يدركون قوانين المرور، بل ولا يجيدون التعامل مع مفاجآت الطريق أو تقدير مسافة توقف السيارة أمامه ما يجعله عرضة للحوادث في أي لحظة، لكن الكارثة الحقيقية تكمن في استخدام السكوتر في شوارع رئيسية تسير فيها سيارات بسرعة حيث يفقد الطفل السيطرة أمام أي منحنى أو تفادي مفاجئ مما يزيد الامر سوءًا، هنا الخطر لا يتوقف على الطفل نفسه بل يمتد إلى المارة وقائدي السيارات ممن قد ينحرفون أو يصطدمون بأي شيء أمامهم في محاولة تفادي طفل يقود سكوتر بشكل عشوائي. صحيح أنه حتى هذه اللحظة التي ندون فيها هذه السطور لا توجد حوادث ناتجة عن استخدام الأطفال للسكوتر الكهربائي، لكن السؤال يكمن هنا: لماذا ننتظر حتى وقوع حادث دهس يخلف ضحية أو أكثر وراءه؟!.. لماذا ينتظر الأهل للحظة التي – لا قدر الله – يفقدون فيها أولادهم؟! فتحذيرنا للآباء والأمهات، أنتم البوابة الأولى للأمان، أنتم خط الدفاع الحقيقي عن أبنائكم.. لا تسلموا أيديهم إلى ما لا يستطيعون السيطرة عليه.. لا تجعلوا من مشهد ترفيهي على وسائل السوشيال ميديا يؤدي إلى نعي حزين.. أو كارثة داخل مستشفى.. فالحياة مسئولية والقيادة وعي وطفلك لا يملك الاثنين بعد. في الوقت ذاته نطالب بقوانين واضحة تمنع تأجير أو قيادة هذا ال»سكوتر» لمن هم دون السن القانوني أو دون إشراف. اقرأ أيضا: حادث مروع.. وفاة أب لأربعة أطفال ب «سكوتر» إلكتروني