يُعقد المؤتمر الدولى بشأن حل الدولتين برعاية فرنسا والسعودية فى مقر الأممالمتحدةبنيويورك فى 28 و29 يوليو الجارى، بعد أن تم تأجيله الشهر الماضى إثر الهجوم الإسرائيلى على إيران. وكانت السويد أول دولة من الاتحاد الأوروبى تعترف رسميًا بدولة فلسطين عام 2014، أما المجر وبولندا والتشيك وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا، فقد اعترفوا بفلسطين فى التسعينيات من القرن الماضى قبل انضمامهم للاتحاد، وقد اعترفت قبرص بالدولة الفلسطينية بعد إعلان استقلالها من الجزائر فى 18 نوفمبر 1988، فيما اعترفت أيسلندا بالدولة الفلسطينية فى 2011. اقرأ أيضًا | أمريكا.. رفض واضح والتلويح بفرض عقوبات كما اعترفت كل من إسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بدولة فلسطين رسميًا فى مايو ويونيو 2024، وأُرفقت هذه الاعترافات ببيانات سياسية وصفت فيها هذه الدول الاعتراف بأنه رد على استمرار الاحتلال الإسرائيلى وتقويض فرص السلام. وفى المقابل، لا تزال دول كبرى مثل: ألمانياوبريطانيا ترفض الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا، رغم إعلانها المستمر دعمها لحل الدولتين، وهذه الدول تعتبر أن الاعتراف يجب أن يأتى نتيجة لمفاوضات مباشرة بين الطرفين. وتتحفظ ألمانيا على أى خطوات أحادية، وتفضل دعم الفلسطينيين ماليًا ومؤسسيًا من دون الاعتراف الرسمي، أما بريطانيا، فهى تشكل حالة خاصة فى السياق الأوروبى نظرًا لإرثها التاريخى فى المنطقة، بدءًا من وعد بلفور عام 1917، الذى مهد الطريق لإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين، وصولًا إلى فترة الانتداب البريطانى التى كرست السياسات الاستيطانية وسهلت الهجرة اليهودية. واليوم، تبدو بريطانيا مترددة فى اتخاذ موقف واضح بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهناك دول أخرى مثل: هولندا، وبلجيكا، والبرتغال، والدنمارك لم تعترف بعد بفلسطين، لكنها تؤيد مبدئيًا حل الدولتين. ويعلن الاتحاد الأوروبى كمؤسسة دعمه المستمر لحل الدولتين، ويُصدر بياناتٍ تدعو إلى احترام القانون الدولى وحقوق الفلسطينيين، لكنه لا يمتلك صلاحية فرض الاعتراف الجماعي، لأن هذا القرار يظل من صلاحيات الدول الأعضاء كل على حدة. ويأتى مؤتمر نيويورك فى وقت حساس، حيث تتزايد الضغوط على أوروبا للعب دور أكثر فعالية فى الملف الفلسطيني، خصوصًا بعد تراجع الدور الأمريكى وتنامى أدوار أخرى كالصين وروسيا وتركيا، ومن المُتوقع أن تشارك عدة دول أوروبية فى المؤتمر، بما فيها دول اعترفت مؤخراً بفلسطين. وقد مثلت هذه الاعترافات الأوروبية فى العام الماضى ضغطًا سياسيًا على الدول المترددة، فإسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا أكدت أن قرارها لا يتعارض مع حل الدولتين، بل يعززه ويعيد التوازن فى مواجهة سياسة الأمر الواقع التى تفرضها إسرائيل. من جهة أخرى، تزداد الضغوط من الرأى العام ومنظمات المجتمع المدنى فى أوروبا للاعتراف الكامل بفلسطين، خاصة فى ظل التغطية الإعلامية المتزايدة للانتهاكات الإسرائيلية فى قطاع غزة والضفة الغربية، وتصف منظمات مثل: «أمنستي» و»هيومن رايتس ووتش» الموقف الأوروبى بأنه متواطئ بصمته مع الاحتلال. وفى بريطانيا، يعود النقاش حول الاعتراف إلى البرلمان مرارًا، وتطالب قوى سياسية مختلفة الحكومة باتخاذ موقف أكثر جرأة، لكن الحكومة تتجنب ذلك حرصًا على العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أما فى ألمانيا، فهناك حساسية تاريخية شديدة تجاه أى خطوة قد تُفسَّر بأنها ضد إسرائيل، وهذا ما يجعل الموقف الألمانى داعمًا للفلسطينيين نظريًا، لكنه متردد فى كل ما يتعلق بالاعتراف أو النقد الصريح. ومع استمرار الانقسام، تفقد أوروبا قدرتها على التأثير الفعلى فى مسار السلام. فهى تدفع أموالًا ضخمة لدعم السلطة الفلسطينية، لكنها لا تملك أى نفوذ سياسى حقيقى لتغيير الواقع على الأرض أو وقف التوسع الاستيطانى. وفى النهاية، يظل الموقف الأوروبى مُوزعًا بين من اعترف ويضغط، ومن تردد ولا يزال ينتظر، ومن يعلن دعمه اللفظى دون فعل ملموس. وبين هذا وذاك، يبقى الشعب الفلسطينى هو الطرف الوحيد الذى يدفع ثمن التردد الدولى وتعدد الحسابات.