بكل حب ودعم نقول للرئيس الفرنسى ماكرون «برافو».. وباريس بقرارها هذا تطرح نفسها كقائدة لمحور دولى يرفض الاستمرار فى سياسة الازدواجية. فى العلوم السياسية، يشير مفهوم «تأثير الدومينو» إلى النتائج التى قد تحدث نتيجة ردود فعل بعض الدول، حيث يكون لبعض القرارات السياسية تداعيات متسارعة تشبه حركة السقوط المتتابع لأوراق لعبة الدومينو.. استخدم هذا المفهوم لأول مرة خلال الحرب الباردة وظهر فى الولاياتالمتحدة منذ خمسينيات القرن العشرين.. وقيل وقتها إنه إذا وقعت دولة واحدة فى منطقة ما تحت تأثير الشيوعية، فإن الدول المجاورة ستقع مثلها وفقًا لتأثير «الدومينو»، وهو ما استخدمته واشنطن كمبرر فى حربها على فيتنام 1955م.. هذا التأثير هو ما يرعب سفاح العصر بنيامين نتنياهو بعد إعلان فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين سبتمبر المقبل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة. خبر الاعتراف نزل كالصاعقة على تل أبيب، السفاح لن يترك الأمر يمر بسهولة، بل سيبذل كل ما فى جعبته من وسائل الضغط على باريس وباستخدام الأيدى الأمريكية المطيعة لثنيها عن قرارها، وهو ما حدث فى مناسبات سابقة منها رفع حق النقض «الفيتو» لوقف عشرات القرارات الدولية بالأممالمتحدة ضد تل أبيب، وبخلاف ذلك دعت الولاياتالمتحدة حكومات العالم الشهر الماضى إلى عدم حضور مؤتمر الأممالمتحدة فى نيويورك بشأن حل الدولتين المحتمل بين إسرائيل والفلسطينيين، محذرة أى دولة من اتخاذ إجراءات ضد دولة الاحتلال. لقد جاء إعلان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عزم قصر الاليزيه الاعتراف بدولة فلسطين فى توقيت مهم ورسالة مباشرة تحمل إقراراً بحقوق الفلسطينيين.. ماكرون ذهب أبعد من ذلك فى رسالته إلى الرئيس الفلسطينى محمود عباس، مؤكداً أن فرنسا تريد «مساهمة حاسمة للسلام»، وهى العبارة التى يمكن فهمها على أنها دعوة مفتوحة لدول أوروبية أخرى لاتباع النهج نفسه. الخارجية الفلسطينية وصفت القرار بأنه «انتصار للدبلوماسية»، بينما أشاد رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز بالخطوة الفرنسية كتعزيز لمسار السلام. لكن فى تل أبيب، تحولت القنوات الإخبارية إلى ساحات جدال حول كيفية مواجهة «تأثير الدمينو»، حيث يتخوف الإسرائيليون من أن تتحول فرنسا إلى شرارة تُحرك دولاً أخرى. وبالرغم من أن هناك دولا أوروبية أعلنت من قبل الاعتراف بفلسطين مثل إسبانيا والنرويج وجمهورية أيرلندا إلا أن فرنسا لها تأثيرها الخاص وهو ما يجعل نتنياهو يعمل باستماتة خلال الفترة القادمة لوقف القرار والسبب أن باريس قوة رئيسية فى الاتحاد الأوروبي، حيث تتمتع بنفوذ سياسى وعسكرى كبير. اقتصادياً، تعتبر فرنسا ثانى أكبر اقتصاد فى أوروبا، وثانى أكبر سوق. كما أن لديها قوة عسكرية كبيرة، فهى سادس أكبر دولة من حيث الإنفاق العسكرى فى العالم، وثالث أكبر مخزون للأسلحة النووية. بالإضافة إلى ذلك، فرنسا قوة ثقافية مؤثرة فى العالم. بكل حب ودعم نقول للرئيس الفرنسى ماكرون «برافو» لقد اختار التوقيت بعناية، فإعلانه جاء متزامناً مع تصاعد الضغوط الدولية لوقف الحرب على غزة، مما يمنح القرار بُعداً إنسانياً إلى جانب السياسي.. فرنسا، بقرارها هذا، تطرح نفسها كقائدة لمحور دولى يرفض الاستمرار فى سياسة الازدواجية. قصر الإليزيه يعلم جيداً أن القرار سيُحدث دوياً، ونتمنى أن يكون أداة ضغط قوية لكسر الجمود وفك الحصار عن الجوعى ووقف مقتلة الإنسانية. إن القرار الفرنسى التاريخى بالاعتراف بدولة فلسطين يحمل بما لا يدع مجالا للشك بصمات جهود الدبلوماسية المصرية الحثيثة، التى ظلت لسنوات تبنى تحالفاً دولياً داعماً للحق الفلسطيني. فمصر تعمل منذ عقود بقوة على حشد التأييد الدولى لحل الدولتين على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وهو المبدأ الذى أصبح اليوم أساساً للتحرك الدولي. هذا الاعتراف الفرنسى يمثل أيضا نجاحا للدبلوماسية المصرية، التى ظلت جدار صد منيعاً فى وجه المخططات الإسرائيلية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسرى وفرض الأمر الواقع. وقد جاء بعد الزيارة الأخيرة للرئيس ماكرون لمصر، فى أبريل الماضى مما يؤكد عمق التنسيق المصري-الفرنسى فى هذا الملف. إن الرسالة التى يوجهها هذا القرار للعالم واضحة: لا مكان لسياسات القوة والاحتلال فى القرن الحادى والعشرين، وأن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى ليست موضوعاً للمساومة. فكما سقطت أنظمة الفصل العنصرى فى التاريخ، فإن زمن الاحتلال الإسرائيلى مصيره الزوال.