محمد جمال الزهيرى فى خطوة قد تكون نقطة تحول تاريخية فى القضية الفلسطينية وأثارت جدلاً واسعاً داخل فرنسا وعلى الساحة الدولية، وفى ظل تصاعد التوترات فى الشرق الأوسط، خاصة بعد العدوان الصهيونى الدامى الأخير على غزة، وأيضا وسط تعثر مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وخرق تل أبيب - كعادتها فى نقض العهود- لاتفاق وقف إطلاق النار فى القطاع، خرج الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ليعلن نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية فى يونيو 2025، خلال مؤتمر الأممالمتحدة الذى سترأسه فرنسا بالاشتراك مع السعودية فى يونيو المقبل بمدينة نيويوركالأمريكية. وأكد الرئيس الفرنسى خلال زيارته معرضا مخصصاً لغزة فى معهد العالم العربى على رغبته فى إطلاق «سلسلة اعترافات» بدولة فلسطينية وإسرائيل كما شدد خلال حديثه على ضرورة التقدم نحو حل الدولتين، فى خطوة من شأنها أن تجعل فرنسا أول عضو دائم فى مجلس الأمن الدولى يعترف بدولة فلسطين. اقرأ أيضًا | «صفقة مثمرة».. خبير استراتيجي يُوضح دلالات زيارة ماكرون إلى مصر جاء إعلان ماكرون عقب عودته من زيارته لمصر مباشرة، حيث كان على أولوية الملفات التى تمت مناقشتها هو ملف غزة، ورحبت وزيرة الدولة الفلسطينية للشئون الخارجية فارسين أغابكيان شاهين بإعلان الرئيس الفرنسى ماكرون وأكدت أنها ستكون «خطوة فى الاتجاه الصحيح، بما يتماشى مع حماية حقوق الشعب الفلسطينى وحل الدولتين»، بينما سارع جدعون ساعر وزير خارجية الكيان الصهيونى للتنديد بإعلان ماكرون أن باريس قد تعترف بدولة فلسطين فى يونيو، بزعم أن ذلك سيكون «مكافأة للإرهاب» وتعزيزا لحركة حماس. وعلى الصعيد الداخلى، أثار إعلان ماكرون انقساماً حاداً داخل الطوائف السياسية الفرنسية فقد رحبت الأحزاب اليسارية، مثل «فرنسا الأبية» بالخطوة، بينما انتقدها اليمين التقليدى واليمين المتطرف، معتبرين أنها قد «تشرعن الإرهاب»، وذلك فى وقت يواجه ماكرون فيه العديد من التحديات الداخلية، من تصاعد التوترات الاجتماعية فى البلاد بسبب زيادة الأعمال المعادية للسامية بعد النزاع فى غزة.. كما أن هناك انقساما فى الرأى العام الفرنسى حول إمكانية قيام دولة فلسطينية، حيث يرى نحو 45% من الفرنسيين أنها ممكنة، بينما يعتبر البقية أنها غير قابلة للتحقيق وذلك وفقا لاستطلاع للرأى أجرته إحدى المؤسسات الإعلامية فى باريس.. إلا أنه بالرغم من هذه التحديات، يرى ماكرون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يمكن أن يكون جزءاً من ديناميكية جماعية تشمل أيضا الاعتراف بإسرائيل من قبل الدول العربية، ما يعزز فرص السلام فى المنطقة من وجهة نظره. وتأتى نية فرنسا فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد أن اعترفت ثلاث دول أوروبية هى إسبانيا وأيرلندا والنرويج بفلسطين فى مايو 2024، وهو ما أثار جدلاً واسعاً فى أوروبا حينها. ويرى محللون أن فرنسا باعتبارها قوة أوروبية كبرى عبر العصور وعضوا دائما فى مجلس الأمن، تملك تأثيرا سياسيا ودبلوماسياً كبيراً قد يساهم فى قيادة وتشكيل مواقف باقى الدول الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن فرنسا تتبنى حاليا خطابا مزدوجا يعتمد على محورين هما دعم «حق إسرائيل فى الأمن» بالتوازى، مع تأييد حل الدولتين. ويرى المحللون أيضا أن فرنسا لا يمكنها أن تتخذ قرارا فى هذا الملف بمعزل عن الولاياتالمتحدة، التى لطالما كانت الراعى الأساسى ل«عملية السلام»، لذا فمن المتوقع أن باريس ستقوم بتنسيق الخطوات المقبلة مع واشنطن، أو ضمن إطار دولى واسع قد يتضمن الاتحاد الأوروبى أو الجامعة العربية، بما قد يجعل الاعتراف الفرنسى بالدولة الفلسطينية بداية لمرحلة جديدة من الضغط السياسى والدبلوماسى على إسرائيل لدفعها إلى قبول تسوية عادلة. كما تطرق محللون آخرون إلى مدى فاعلية الخطوة التى أعلنها ماكرون وما إذا كانت ستمهد لتحول حقيقى وحاسم فى الصراع الأزلى فى فلسطين أم أنها ستكون مجرد خطوة رمزية، خصوصا أن فرنسا دولة تتمتع بالثقل السياسى والدبلوماسى والعسكرى بين دول العالم، وهو ما قد يؤهل هذه الخطوة لأن تكون خطوة فعالة نحو تحول حقيقى ملموس على أرض الواقع.