وصف محللون سياسيون فلسطينيون التحرك الأوروبي الجديد باتجاه الاعتراف بدولة فلسطينية حتى قبل انتهاء التفاوض على حدودها بالخطوة الإيجابية، لكنهم أكدوا في الوقت نفسه أنه يظل ناقصا ومبهما ما لم يتضمن بوضوح اعترافا بحدود الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وربط هؤلاء المحللون صدقية التحرك الأوروبي بضرورة ترجمته إلى ضغوط تلزم إسرائيل بتنفيذ مطالب الرئيس محمود عباس "أبو مازن" بوقف الاستيطان وتحديد مرجعية قيام الدولة، وتحديد جدول زمني لذلك. وأطلق وزيرا الخارجية الفرنسى بيرنار كوشنير والأسبانى ميجيل موراتينوس مبادرة جديدة تنص على اعتراف الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطينية في غضون عام ونصف حتى قبل انتهاء المفاوضات حول الوضع النهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وسبق ذلك إعلان وزير الخارجية الفرنسي أنه يمكن التفكير في الإعلان والاعتراف الفوري بدولة فلسطينية حتى قبل المفاوضات المتعلقة بحدودها. وقال الدكتور إبراهيم أبراش وزير الثقافة الفلسطيني السابق وأستاذ العلوم السياسية إنه بات واضحا أن هناك توجها دوليا نحو الاعتراف بدولة فلسطينية بعد أن وصلت عملية التسوية إلى طريق مسدود، وأصبح لدى الأوروبيين والأمريكيين قناعة مفادها أن عدم الاستقرار وتراجع الأمن في العالم حاليا وفى المقابل تزايد حدة التطرف والإرهاب مرتبط بالوضع في الشرق الأوسط وعدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وأضاف أبراش أن الدول الأوروبية جزء من اللجنة الرباعية الدولية، وبالتالي يثير التحرك الجديد تساؤلات حول ما إذا كان لديها نية حقيقية للاعتراف بالدولة الفلسطينية أم أن هذا التحرك مجرد مناورة أو إغراء لدفع "أبو مازن" للعودة إلى طاولة المفاوضات. وأثار أبراش علامات استفهام حول توقيت التحركات الأوروبية، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي جزء من اللجنة الرباعية الدولية التي لم تحرك ساكنا والتزمت الصمت تجاه ممارسات إسرائيل في الأراضي المحتلة من عمليات اغتيالات واعتقالات واستيطان واقتحامات ومصادرات وتهويد. وأعاد أستاذ العلوم السياسية إلى الأذهان موقف فرنسا المعارض للمشروع السويدي للاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، وتساءل ما الذي تغير حتى تنادى باريس بمثل هذا الموقف الجديد؟. وأعرب عن خشيته من أن يكون هدف التحرك الفرنسي هو إعادة الجانب الفلسطيني للتفاوض مجددا، وهو ما يعنى أن باريس تلعب حاليا نفس الدور الذى كانت تلعبه بريطانيا لصالح الإدارة الأمريكية في عهد رئيس الوزراء السابق تونى بلير في ظل العجز الأمريكي عن الضغط على إسرائيل لتفعيل عملية السلام وجعلها أكثر مصداقية. وكانت السويد قد طرحت مطلع ديسمبر الماضي إبان رئاستها للاتحاد الأوروبي مقترحا يدعو الاتحاد إلى تأييد قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدسالشرقية، غير أن فرنسا قادت مجموعة الدول المتحفظة على المقترح بذريعة أن وضعية القدس يجب أن تحددها المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وليس الاتحاد الأوروبي. وقال وزير الثقافة الفلسطيني السابق إن تأييد الرأي العام العالمي للقضية الفلسطينية في ازدياد، معربا عن أسفه لضعف النظام السياسي الفلسطيني مقابل ذلك التأييد بسبب الانقسام بين حركتي فتح وحماس .. وشدد على ضرورة أن يساعد الفلسطينيون أنفسهم وأن يستغلوا التعاطف العالمي مع قضيتهم عبر توحيد المواقف وإنهاء حالة الانقسام. ويتفق معه في الرأي المحلل السياسي خليل شاهين الذي أبدى تخوفه من أن يكون الموقف الفرنسي والأوروبي متطابقا مع الموقف الأمريكي الذي يتجنب المستوطنات عند الحديث عن ترسيم حدود الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967 ويأخذ التغيرات التي أحدثتها إسرائيل على الأرض في الحسبان. ويرى شاهين أن التحرك الأوروبي جاء متأخرا في استجابته لمطلب فلسطيني سابق بنقل ملف الاعتراف بحدود الدولة إلى مجلس الأمن الدولي، غير أنه وصفه ب"الإيجابي" وقال إنه يمكن الاستفادة منه والبناء عليه وتطويره بما يؤدى إلى نقل ملف الاعتراف بالدولة إلى مجلس الأمن. وأكد أن تطوير الموقف الأوروبي يتطلب الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية ودور أوروبي أكبر وأكثر فاعلية لإرغام إسرائيل على الالتزام بشروط السلام وإنهاء احتلال الأرض الفلسطينية. وشدد على ضرورة التفريق بين مجرد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وبين ما يطالب به الفلسطينيون بأن تكون حدود هذه الدولة هو الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. وقال شاهين إن رد فعل إسرائيل على الاقتراحين الفرنسي والفرنسي الأسباني يشير بوضوح إلى طبيعة فكرة الدولة الفلسطينية لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي لأن هذه الدولة حسب المفهوم الإسرائيلي عبارة عن حكم ذاتي للفلسطينيين في كانتونات غير متصلة بسبب المستوطنات وسلام اقتصادي وبقاء جيش الاحتلال في طول منطقة الأغوار والسيادة على الجو والبحر. وأعلنت الحكومة الإسرائيلية معارضتها للفكرة التي طرحها وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير وكذلك للمبادرة القاضية بالاعتراف الأوروبي بدولة فلسطينية يعلن عنها من جانب واحد قبل التوصل إلى اتفاق على حدودها .. بذريعة أن منح هذا الاعتراف بينما لم تتم تسوية ملفات النزاع، تتعارض ومبادئ عملية السلام وسيكون مثل صب الزيت على النار، ومن شأنه أن يدفع الفلسطينيين إلى إبداء مزيد من التعنت وجعل أية تسوية مستحيلة. ونقلت حكومة نتنياهو رسالة إلى فرنسا وأسبانيا أعربت فيها عن معارضتها الشديدة مبادرتهما لاعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية بعد عام أو عام ونصف العام على إعلان إقامتها، وقبل انتهاء المفاوضات على الحل الدائم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وأكد شاهين أنه لا يوجد خيار أمام الفلسطينيين سوى استعادة الوحدة لأنه من دونها لن يحدث تقدم في المفاوضات أو في المقاومة، معتبرا أن استعادة الوحدة لن يعنى أن الفلسطينيين سيكونون بمأمن من الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وقال إن إنهاء الانقسام معناه الضغط على الضفة الغربية وحصارها مثلما هو الحال فى قطاع غزة.