نال برنامجه استحسان الأسرة المصرية، وجلسوا يتابعونه دون أن يعرفوا أن هذا الإعلامى عالِمٌ من أهم علماء مصر. أصدرت هيئة الكتاب سلسلة جديدة عنوانها: عقول، يرأس تحريرها عبد السلام فاروق، ومدير تحريرها الدكتور محمود نبيل، وسكرتير التحرير سحر محجوب. ويعتبر هذا الكتاب هو العدد العاشر منها التى أراها سلسلة مهمة فى كل أعمار من يقرأها. يكتُب رئيس التحرير أنه كان طالباً متفوقاً، دخل كلية الطب وتركها ليدخل كلية العلوم. ثم كان أول من يحصُل على الماجستير والدكتوراه فى مصر. وبدلاً من العمل كأستاذ جامعى يُلقى المحاضرات. ترك القاهرة التى عاش فيها شطر حياته الأول، وذهب إلى مكان مقفر اسمه الغردقة، عاش فيها كملكوت بحثٍ تعليمي. أربعون عاماً قضاها فى الغردقة ما بين رمال الصحراء وأعماق البحر يبحث عن عينات الأسماك لا ليأكلها، وإنما ليصنع منها الأبحاث الدسمة، والأوراق العلمية ويسبق عُلماء العالم بأبحاثه التى جذبت انتباه المؤسسات الدولية واستعانوا به خبيراً فى مختلف المحافل والمناسبات الخاصة بعلوم البحار. ظل حتى ما بعد سن التقاعد مجهولاً غارقاً فى أبحاثه. ثم رأته الدنيا على شاشة التليفزيون إعلامياً ومذيعاً يقدم برنامجاً اسمه: عالم البحار. إنه رجل أشيب الشعر، بسيط الهندام، هادئ العبارة، عميق الصوت، له كاريزما غير مفهومة. نال برنامجه استحسان الأسرة المصرية، وجلسوا يتابعونه دون أن يعرفوا أن هذا الإعلامى عالِمٌ من أهم علماء مصر. حياته الطويلة المثمرة امتدت 85 عاماً. لذلك تناولها فى فصول هذا الكتاب الخمس. وفى كل فصلٍ مُتعة ومعلومة وحِكمة تُثير التفكير وتستحث الهِمم. رافق الملوك والرؤساء ونال جوائز علمية محلية ودولية. عاصر الثورات والحروب، لم يملك خلفه إرثاً معرفياً لكل الناس. فلم يأخذ لنفسه، بل ترك كل شئ للآخرين. إن الكلام عن حامد جوهر «1907 - 1992» كالحديث عن الجواهر والأحجار الكريمة. ينبغى أن يتم بحذر واهتمام. إنه عالِم البحار الذى رسَّخ قواعد عِلم جديد أصبح فيما بعد تخصصاً استراتيجياً مُتعدد الأبعاد. تعلَّم العلم الذى يشبه فى عمله واتساعه حجم المحيطات والبحار. وفى قيمته قيمة كنوزه وخوافيه الرابضة فى الأعماق السحيقة. جاهد جوهر المولود فى منتصف نوفمبر، أى أنه ينتمى لبرج العقرب. والحقيقة أنك إذا قرأت صفات هذا البُرج كما تسردها الكُتُب المتخصصة فى قراءة الأبراج والأفلاك تندهش من صحة التطابق بينها وبين صفات حامد جوهر كما تبدو من خلال سيرته وخطوات حياته. ومهما حاول المؤلف سرد حياة جوهر، وحاول أن يكون مُنصفاً مُحايداً فلن يستطيع أن يُعطيه من حقه ومكانته وقيمته ما يستحقه. وفى رحلته كان العرب يعرفون كثيراً من العلوم البحرية. ولكن تغيرت الحياة بعد ثورة يوليو 1952، وأصبحت الدولة كلها تُناضل للاستقلال فى كل أمور الحياة. وهكذا استكمل مشروعه وأقام متحفه المُرجانى فى البحر الأحمر أصبحت فيه أندر الصخور التى وُجِدت فى العالم كله. وعندما سُئِل أحد أبناء الغردقة ممن عرفوا حكاية جوهر وأُعجبوا بتفاصيلها قال: - المنطقة التى كان يسكن بها هى منطقة الأحياء. وسُمِّيت نسبة إلى محطة الأحياء البحرية التى أُنشِئت عام 1928، وبدأ العمل فيها فى 1932 تحت رئاسة قيادة إنجليزية. كانت موجودة فى جامعة الملك فؤاد الأول «القاهرة حالياً». ثم تحدَّث صاحب حكاية أمير البحار فقال: - كان للعلاَّمة جوهر الفضل فى إنشاء محتويات هذا الصرح العلمى الكبير. وقام الملك فاروق بزيارة المحطة فى أواخر أربعينيات القرن الماضي. فتم إنشاء هذا الصرح المهم. هذا الصرح الذى تراجع دوره العلمى تدريجياً وتحوَّل إلى إدارة حكومية روتينية بيروقراطية من الطراز الأول. وفى أول زيارة لحامد جوهر للمتحف، وبعد مغادرته رفض دخوله وحزن حزناً شديداً عندما شاهد ما بناه طوال هذه السنين. وقد عِشتُ لأرى الأيادى المفتقرة إلى العلم والخبرة، تلك الأيادى التى قامت بالتخلص من معظم محتويات المتحف الثمينة، فأهدرت بذلك جهداً أعظم ما قام به علماء مصر والعالم كله. ثم تحسنت أحوال معهد البحار وقام بعمل المطلوب فى استخراج التصريحات الأمنية. يكتُب صاحب الكتاب أن الاقتصاد الأزرق طبقاً لسيرة حامد جوهر يعتمد فى الأساس على ما تصل إليه الأبحاث العلمية الجادة من نتائج وتوصيات، أى على العُلماء. أما الأموال والمعدات فهى مجرد وسائل لتحقيق توصيات العلماء المخلصين.