الضربة المهمة التى تستطيع مجموعة البريكس تقديمها هى بديل لذلك الصندوق، لتكون الفائدة الكبرى للدول الصغيرة. وهكذا تمشى خريطة العالم فوق الأشواك تتلمس خطاها بين مسارات وجغرافيا تقليدية إلى مسارات تحاول التشكل وجغرافيا يراد لها التغير.. مسارات عسكرية تتنازعها قوى تصارع على مشاركة الصدارة ومسارات اقتصادية تلعب نفس اللعبة، بل تصارع نفس التصارع العسكرى العنيف، وتغيرات جغرافية تحاول قوى الشر والاستعمار أن تصنع فيها أخاديد ومرتفعات ومنخفضات جديدة تتغير فيها مقاييس الرسم والمعالم والأعلام القومية أو الطامعة لا يكاد يلمحها إلا مشردون يطردون من أرضهم أو أقمار صناعية ترصد التفاصيل ساعة بعد ساعة، أو غرف مغلقة فى عقول أصحاب التخطيط وشركائهم وراسمى تلك المخططات التى لم تعد غامضة وقد صارت مادة متناثرة على ألسنة صناعها فى مؤتمرات إعلامية تبخ فحيح متحدثيها!. وفيما يحاول العالم استيعاب الزلازل الجيوسياسية المتلاحقة، أطلقت قمة البريكس من ريو دى جانيرو رسائل حادة تتجاوز الاقتصاد إلى رسم ملامح نظام عالمى جديد تؤثر فيه مجموعة دول البريكس التى تمثل نحو 23% من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، وعدد سكانها يُشكل حوالى 42% من سكان العالم. بينما تمثل تجارة دول البريكس أكثر من 16% من حجم التجارة العالمية، لتقدم لشريحة كبيرة من دول العالم الفقير اختيارا جديدا بديلا عن البنك الدولى حيث تتفاوت فوائد قروض صندوق النقد الدولى بين الدول على أساس قوة اقتصادها، حيث إن الدول ذات الاقتصادات القوية قد تستفيد من قروض الصندوق بشكل أكبر. بينما الدول ذات الاقتصادات الضعيفة قد تواجه صعوبات فى تنفيذ الإصلاحات وتسديد القروض، مما قد يؤدى إلى زيادة الديون وتعميق الأزمات الاقتصادية، فيعطون للدول الغنية قروضا يسيرة قليلة الفائدة بنسب لا تتعدى واحدا أو اثنين فى المائة بينما نفس القروض تعطى للدول الفقيرة والأشد احتياجا بفوائد عالية مجحفة، تضرب جذور اقتصاداتها بمعول الهدم والتقطيع! لعل الضربة المهمة التى تستطيع مجموعة البريكس تقديمها هى بديل لذلك الصندوق، لتكون الفائدة الكبرى للدول الصغيرة أن تجد من يقرضها بشروط ميسرة وبعملات تبتعد عن الدولار الذى أنشئ الصندوق خصيصا ليجعل له السيادة والانفراد بالساحة الاقتصادية العالمية اتساقا مع خروج الولاياتالمتحدةالأمريكية منتصرة من وغى الحرب العالمية الثانية،وخروج بريطانيا الإمبراطورية التى لم تكن تغيب عنها الشمس خروجها تابعا للأمريكان، وبالتالى كان الغرض الأساسى لإنشاء ذلك الصندوق ليصير الدولار هو المتحدث الرسمى الوحيد للعملات العالمية وتنتقل السيادة من الجنيه الاسترلينى وسلطانه بشارع داوننج ستريت بلندن إلى شارع المال بواشنطن، ومن يومها وهذا الصندوق يعيث فسادا باستغلال قروضه للمحتاجين ويتدخل فى سياسات الدول التى تتراكم ديونها لديه وتتعدد قروضها منه. وتبدو بوضوح أهمية البريكس فى وسط ما يحياه العالم كله حاليا من تحديات اقتصادية لا تترك أى دولة دون التعرض للتحرش بها اقتصاديا ومن ثم سياسيا مع ممارسات رئيس الولاياتالمتحدة ترامب مذ بدأ ولايته الثانية لقيادة بلاده، وأبرزها بالطبع إجراءاته الحمائية والرسوم الجمركية التى يلعب بها لعبة الضغوط على الصناعات غير الأمريكية وصادرات الغرب والشرق إلى أمريكا ووارداتهم منه. ومن هنا بروز عالم اقتصادى جديد تحت لواء البريكس تتقدمه روسيا بكلمات فلاديمير بوتين الحاسمة، وتدعمه دول ناشئة ترفض الخضوع لإجراءات دونالد ترامب الحمائية والرسوم الجمركية التى تهدد التجارة الدولية. فهل بدأ فعلاً عصر التعددية القطبية؟ وهل تملك البريكس ما يكفى لكسر الهيمنة الأمريكية، أم أن التناقضات الداخلية والمظلة العسكرية الأمريكية لا تزال تفوق الطموحات الصاعدة؟. الآمال فى البريكس كبيرة لكن التحديات تظل أقوى وأكبر، فهل يكسب البريكس التحدى؟ نتمنى.