■ كتب: محمد فايد في التاريخ محطات لا تُنسى، لحظات يتوقف عندها الزمن قليلًا ليكتب صفحة جديدة فى دفتر الأوطان، وكان الثالث والعشرون من يوليو عام 1952 واحدا من تلك اللحظات الفارقة، كانت بداية مشروع وطني شامل، أحد أهم مبادئه «أن تكون لمصر قوات مسلحة وطنية قوية مستقلة»، تحمى الأرض وتصون القرار، وذلك ما آمن به الضباط الأحرار، وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر، مرّت العقود وتبدلت التحديات، لكن بوصلة الدولة المصرية لم تحِد عن هذا المبدأ، وحين دقّت ساعة الخطر مرة أخرى فى يناير 2011، مرورًا بعام الظلام وحتى انتصار إرادة الشعب فى 30 يونيو 2013. عادت القوات المسلحة إلى المشهد، لتعيد التوازن إلى الدولة، ومثلما رفع «عبد الناصر» شعار الجيش الوطني القوى كأحد أعمدة الجمهورية الأولى، جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليُؤسس على ذلك ويجعله أحد ركائز الجمهورية الجديدة . وفي هذا السياق أكد عدد من الخبراء ل«الأخبار» أن هذا الامتداد يؤكد أن ما نشهده اليوم من تحديث شامل للقوات المسلحة، هو وفاء لما بدأته ثورة يوليو. أكد اللواء أ.ح. د. محمد زكى الألفي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن إقامة جيش وطنى قوى كانت من أبرز مبادئ ثورة يوليو 1952، وهو ما تجسد فى بناء حقيقى لمؤسسة عسكرية وطنية، موضحًا أن ما تقوم به القوات المسلحة اليوم يمثل امتدادًا لذلك المشروع الوطني، حيث تشهد المؤسسة العسكرية تطويرًا شاملًا بما يتلاءم مع التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. وأضاف أن الدولة المصرية أدركت أن التهديدات التى تواجه الأمن القومى لم تعد تقليدية، بل باتت أكثر تعقيدًا وتشابكًا، ما تطلب بناء قوة عصرية مرنة قادرة على الردع والمواجهة، مشيرًا إلى أن مصر ما زالت تواجه تحديات إقليمية ناتجة عن تدخلات خارجية مباشرة، ما يستدعى بقاء القوات المسلحة فى حالة جاهزية وتحديث مستمر، وما نراه اليوم تحديثًا متواصلًا لمشروع بدأ قبل أكثر من سبعة عقود . وأوضح «الألفي» أن القوات المسلحة شهدت تحولًا كبيرًا فى عهد الرئيس السيسي، الذى أطلق رؤية متكاملة لبناء قوة ردع إقليمية تمتلك القدرة على حماية المصالح الوطنية فى البحرين المتوسط والأحمر ومواجهة المخاطر غير التقليدية، مشيرًا إلى تنوع مصادر السلاح والتوسع فى التصنيع الحربى المحلي، وإنشاء قواعد عسكرية كبرى، وتحديث القواعد الجوية ومراكز القيادة وبناء مقر قيادة استراتيجية حديثة فى العاصمة الإدارية «الأوكتاجون» وإنشاء أسطولين فى البحرين المتوسط والأحمر وتطوير القوات الخاصة والمؤسسات التعليمية العسكرية، والتدريب العسكرى لمواكبة الحروب الحديثة، ولم يقتصر دور القوات المسلحة على المهام القتالية، بل امتد إلى المساهمة فى المشروعات القومية . ◄ اقرأ أيضًا | مفتي الجمهورية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 23 يوليو من جانبه، أكد اللواء سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، أن هناك تشابهًا كبيرًا بين مشروع تطوير القوات المسلحة فى عهدى الرئيس عبد الناصر، والرئيس السيسي، حيث قاد كلاهما مشروعًا لبناء جمهورية جديدة، وكانت التنمية وبناء جيش عصرى قوى هما حجر الأساس، مضيفًا أن «عبد الناصر» خاض عدة حروب، خرج منها بإدراك حتمى بضرورة إعادة بناء القوات المسلحة، موضحًا أن الرئيس السيسى تولى الحكم فى لحظة كانت التنمية أولوية، كما كانت فى عهد ناصر، لكنه واجه تحديات أكثر تعقيدًا فى عالم دخل مرحلة جديدة من التسليح، خاصة فى ظل تغير طبيعة التهديدات، وظهور أنماط قتال غير تقليدية كالمسيرات والطائرات بدون طيار، لكن الفارق الجوهرى بين التجربتين أن عبد الناصر واجه أزمة سياسية فى صفقة السلاح التشيكي، بينما نجح السيسى فى تنويع مصادر السلاح دون الدخول فى صدام سياسى. وأشار «راغب» إلى أن مصر فى عهد السيسى أطلقت مشروعات كبرى مثل قناة السويس الجديدة واكتشافات الغاز، ما فرض ضرورة وجود قوة بحرية تحمى المصالح الاقتصادية فى البحرين المتوسط والأحمر، و أن مصر استفادت من متابعة الصراعات الإقليمية دون الانخراط فيها، واختتم بالتأكيد على أن ما تم فى عهد عبد الناصر لا يزال قائمًا، وما يجرى فى عهد السيسى هو تطوير وتوسيع لذلك الأساس . وفي ذات السياق، أكد اللواء أ.ح. عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن دور القوات المسلحة تجلى بوضوح منذ ثورة 23 يوليو، وكان من أبرز مبادئ الثورة حينها بناء جيش وطنى قوي، وسعى مجلس قيادة الثورة منذ اللحظة الأولى لتطويره، ليتحمل الجيش مسئولية خوض معارك متعددة، حتى تحقق نصر أكتوبر 1973، وما بعد ذلك شهد تغيرًا شاملًا فى فلسفة القوات المسلحة. وأشار «العمدة» إلى أن تسعينيات القرن الماضى شهدت تغيرًا فى طبيعة التهديدات، حيث برز خطر الإرهاب، فتصدت له قوات إنفاذ القانون ضمن دورها فى حماية الأمن القومي، وحين وقعت أحداث 2011، وفى ظل غياب عناصر الشرطة المدنية، تدخلت القوات المسلحة لإنقاذ الدولة ومنع تفككها، مشددًا على أن الجيش استجاب فى 30 يونيو 2013 لنداء الشعب، ودعم إرادته فى استعادة الدولة، لتبدأ مرحلة جديدة من البناء العسكري، تقوم على التحديث الكامل، وهو ما تعزز منذ تولى الرئيس السيسى المسئولية فى 2014، لافتًا أن مصر نجحت فى تنويع مصادر السلاح والتعاون مع كبرى المدارس العسكرية حول العالم، فضلًا عن توطين الصناعات الدفاعية.