شهدت علاقة نجيب محفوظ بالإخوان المسلمين، مراحل مختلفة، لكنها بشكل عام اتسمت بالنفور والكراهية، خاصة بسبب ارتباطه القوى بحزب الوفد، فقد كان يرى أنهم جماعة انتهازية وفاشية، وقد رفض «محفوظ» اللقاء مع حسن البنا؛ مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من محاولات وإلحاح ناشره آنذاك، عبد الحميد جودة السحار، كما كان رأيه فى سيد قطب؛ أحد أبرز منظرى الإخوان، أنه حاد الفكر ومتطرف الرأى ويُكفِّر المجتمع، باختصار؛ كان «محفوظ» ضد فكرة الدولة الدينية، وتناول فى بعض رواياته، شخصيات تُعبِّر عن الفكر الإسلامى والإخوانى، وتعكس رؤيته لهذه الجماعة، وقد تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال عام 1994، على يد متطرفين إسلاميين، بسبب رواية «أولاد حارتنا» التى اعتبروها مسيئة للدين، ورغم أن المنفذين كانوا من الجماعة الإسلامية، إلا أن الحادثة عكست حدة التوتر بينه وبين التيارات الإسلامية بشكل عام، ويمكن القول إن نجيب محفوظ كان معارضًا قويًا للإخوان المسلمين، ورأى فى أفكارهم وتوجهاتهم ما يتعارض مع رؤيته لمصر والمجتمع، من هنا انطلق الأديب الكبير الراحل مصطفى بيومى، بأولى حلقاته فى سلسلة قراءات تعنى بتحليل الموقع الذى يحتله الإخوان المسلمون فى خريطة الإبداع الروائى والقصصى فى مصر. فى كتابه «نجيب محفوظ والإخوان المسلمين»، الذى صدرت مؤخرًا طبعته الثانية ضمن سلسلة كتاب اليوم التى تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم برئاسة تحرير ياسر عبد الحافظ، يؤكد الكاتب الراحل مصطفى بيومى، فى تقديمه للكتاب أنه من الأهمية الإشارة إلى ثلاث ملاحظات رئيسية تتعلق بالموقع الذى يحتله الإخوان المسلمون فى عالم نجيب محفوظ، الأولى هى أن جذور شعارات وأفكار الإخوان نجدها عند ممثل الاتجاه الإسلامى فى الرواية الأولى لمحفوظ؛ (مأمون رضوان فى رواية القاهرة الجديدة)، والثانية أنه لا يمكن تفسير الوجود المحدود نسبيًا للشخصية الإخوانية فى عالم محفوظ إلا فى إطار الوعى بالظروف التاريخية التى حالت دون ظهور شخصية إخوانية حقيقية فى ظل الصراع الدموى بين الإخوان وثورة يوليو، وهو الأمر الذى تَغَيَّر بعد تصالح الإخوان مع السادات، فظهر محمد حامد برهان فى رواية «الباقى من الزمن ساعة»، أما الملاحظة الثالثة فهى انعكاس رؤية نجيب محفوظ الوفدية على أبطاله الأثيرين ومواقفهم السلبية من الإخوان، فهم يضيقون بتعصب الإخوان وتزمتهم ورفضهم للديمقراطية والتعددية وحرية الاختلاف.. وفى تقديمه للطبعة الثانية من كتاب والده «نجيب محفوظ والإخوان المسلمين»، يؤكد زميلنا الكاتب الصحفى أحمد مصطفى بيومى، أن هذا الكتاب الذى أقدمه للقارئ اليوم هو جزء من مشروع التذكير المستمر، واليقظة الدائمة، من مغبة التهاون مع فكر يُضمر أكثر مما يُعلن، ويَتلوَّن أكثر مما يوضح، ويندس بين الصفوف، لا ليصلح، بل ليُفكّك من الداخل»، وفى نهاية تقديمه يقتبس «أحمد» جزءًا مما كتبه أبوه فى هذا الكتاب: «إن مَن يقرأ نجيب محفوظ بعمق، لا يستطيع أن يقبل بالفكر الإخوانى، ومَن يتأمل عالم محفوظ، يدرك أن هذه الجماعة لم تكن يومًا منسجمة مع روح الفن، ولا مع نبض الإنسان، بل كانت دائمًا خارج نسيج الحياة الحقيقية، ترفضها وتخطط لامتلاكها بالقهر، لا بالمشاركة».. فى هذا الكتاب يقسم «مصطفى بيومى»، دراسته إلى فصلين؛ الأول عن أفكار ورؤى الإخوان، ويتضمن ثلاثة مباحث؛ الإخوان والدين، والفكر السياسى للإخوان، والإخوان والمرأة، أما الفصل الثانى فيتناول العلاقة بين الإخوان والقوى السياسية؛ فيتضمن أربعة مباحث؛ الإخوان والوفد، والإخوان وثورة يوليو، والإخوان والسادات والتيارات الدينية الجديدة، والإخوان والشيوعيين، ويمضى بنا «بيومى» فى رصد وتحليل كل المحاور السابق ذكرها كما يفهمها ويجسدها نجيب محفوظ، ويناقش عددًا من القضايا والمحاور المهمة، مثل: التأثير الكبير للدين فى نفوس المنتمين إلى حركة الإخوان، والحرص على الغموض والابتعاد عن الوضوح والتحديد الذى يتسم به الفكر السياسى للإخوان.