نوال سيد عبدالله رغم التبريرات التى تسوقها إسرائيل لتبرير تدخلها العسكرى السافر فى الجنوب السوري، بزعم «حماية الطائفة الدرزية»، تبدو هذه الذريعة أقرب إلى غطاء سياسى لخطط أوسع تهدف إلى إعادة رسم الجغرافيا السورية بما يخدم مصالح تل أبيب الاستراتيجية فالغارات الجوية الإسرائيلية التى استهدفت مؤخرًا مواقع الجيش السورى فى محيط السويداء ومبانى تابعة لوزارة الدفاع فى قلب العاصمة، دمشق، ليست سوى حلقة جديدة فى مشروع أعمق يسعى إلى تفكيك سوريا على أسس طائفية وعرقية، مستغلة بذلك هشاشة الوضع الداخلى فى البلاد وسقوط النظام المركزي. اقرأ أيضًا | سوريا.. وقف فوري لإطلاق النار وقوات الأمن تنتشر في السويداء ويحاول الاحتلال، تحت غطاء «نصرة الأقليات»، فرض مشروع «سوريا الفيدرالية»، عبر دعم الأكراد فى الشمال الشرقى والدروز فى الجنوب، مستفيدة من الفوضى السياسية فى دمشق وفى الوقت الذى تقدم فيه تل أبيب تدخلها العسكرى كخطوة دفاعية لحماية حدودها الشمالية، تكشف التصريحات الصادرة عن قادة الاحتلال عن رؤية استراتيجية تسعى إلى تقسيم سوريا إلى كيانات ضعيفة، تضمن لإسرائيل الهيمنة على ما تسمى «خريطة الشرق الأوسط الجديد». من جانب، وصف وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلي، عميحاى شيكلي، الرئيس السورى الانتقالى أحمد الشراع بأنه «إرهابى وقاتل همجى يجب التخلص منه فورًا» ورغم هذه اللغة التصعيدية، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت، أدى إلى تهدئة الاشتباكات فى الوقت الراهن. من هم الدروز وماذا يريدون؟ - يشكل الدروز أقلية دينية صغيرة يقدر عدد أفرادها بأكثر من مليون شخص، يتمركزون بشكل أساسى فى المناطق الجبلية من لبنانوسوريا وإسرائيل والأردن وفى سوريا، يقدر عدد الدروز بحوالى 700 ألف نسمة، أغلبهم يعيشون فى محافظة السويداء جنوب البلاد. ومنذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، تمكن الدروز من الحفاظ على درجة من الاستقلال الذاتي، ودافعوا عن مناطقهم بنجاح ضد تهديدات عدة، أبرزها تنظيم داعش وفصائل جهادية أخرى. وبعد سقوط نظام الأسد فى أواخر العام الماضي، انضم الدروز إلى مطالب الأقليات الأخرى مثل الأكراد فى الشرق والعلويين فى الغرب، بالدعوة إلى اعتماد نظام فيدرالى فى سوريا يمنح المجتمعات المحلية مزيدًا من الحكم الذاتي. إلا أن الحكومة الانتقالية الجديدة فى دمشق تسعى إلى إعادة فرض سيطرتها الكاملة على كامل الأراضى السورية، وتتمسك بمبدأ الدولة المركزية ووحدة الأراضى السورية، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات متكررة مع قوات درزية. ذريعة تدخل إسرائيل؟ - ساهم سقوط نظام الأسد فى خلق فرصة استراتيجية لإسرائيل لتعزيز نفوذها فى جنوبسوريا، وهو تدخل مدفوع باعتبارين رئيسيين: أولا: تأمين الحدود الشمالية، حيث تعتبر إسرائيل أن الفراغ الأمنى فى جنوبسوريا يشكل تهديدًا محتملا، مع وجود خطر من أن تستغل جماعات معادية لها الوضع لترسيخ وجودها قرب حدودها الشمالية وخلال الاشتباكات الأخيرة، أعلن الجيش الإسرائيلى أنه «لن يسمح بوجود تهديد عسكرى فى جنوبسوريا وسيتعامل معه بحزم»، وأكد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تتحرك «لضمان تجريد المنطقة المتاخمة لحدودنا من السلاح». ثانيا: دعم مشروع سوريا الفيدرالية، حيث تدعم إسرائيل الأقليات الحليفة لها داخل سوريا، وفى مقدمتها الأكراد فى الشمال الشرقى والدروز فى الجنوب، فى مسعاهم لاعتماد نظام حكم فيدرالي. وترى بعض الدوائر فى صناع القرار الإسرائيلى أن تقسيم سوريا على أسس طائفية وعرقية يمثل وسيلة للحفاظ على التفوق الإسرائيلى إقليميًا. ويندرج هذا التصور ضمن ما يعرف برؤية «الشرق الأوسط الجديد»، أو مخطط ترامب - نتنياهو حيث يجرى إعادة رسم الحدود وبناء تحالفات جديدة تضمن التفوق والنفوذ الإقليمى لإسرائيل. وفى هذا السياق، صرح وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر بأن «قيام دولة سورية موحدة ذات سيادة فعالة على كامل أراضيها هو أمر غير واقعي»، معتبرًا أن الحكم الذاتى للأقليات داخل نظام فيدرالى هو الخيار الأكثر منطقية لمستقبل سوريا. وبحسب تقارير غير مؤكدة، دعت واشنطن إسرائيل إلى تقليص ضرباتها الجوية على سوريا لتجنب المزيد من التصعيد والحفاظ على استقرار المنطقة. وتسعى الولاياتالمتحدة إلى دعم النظام السورى الجديد لمساعدته فى فرض السيطرة واستعادة الاستقرار. كما تشير تقارير إلى أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها يشجعون النظام السورى على الانفتاح نحو التطبيع مع إسرائيل، وسط محادثات سرية بين تل أبيب والحكومة الجديدة بقيادة الشرع بشأن إمكانية انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام.