الموقف الإسرائيلى من التغيير الذى تم فى سوريا بعد الثامن من ديسمبر الماضي، ومن الإدارة الجديدة هناك، لم يكن مفاجئاً لأى مراقب، لطبيعة العلاقة بين نظام الأسد وتل أبيب، وتتمحور حول ضمان أمنها واستقرارها، من خلال ضبط الحدود، الاستثناء الوحيد فى تغير المعادلة بالتواجد الإيرانى فى سوريا، وتزايد نفوذ طهران بما يضر بالمصالح الإسرائيلية، وفى هذا السياق يمكن فهم الاستهداف العسكرى للقدرات السورية فى الأيام التالية، بعد سقوط النظام، واستمرار الغارات الإسرائيلية الأخيرة، وآخرها بالقرب من القصر الجمهوري، فى رسالة تحذير لأحمد الشرع - كما قالت مصادر إسرائيلية - يسمعه بأذنيه من خلال صوت الغازات، ويشم دخانه بأنفه، وكان من اللافت صدور البيان المشترك من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس، الذى حدد هدفين للهجوم، وهما: الأول: عدم السماح بانتشار الجيش السورى جنوبدمشق، وقيام منطقة عازلة بعمق 65 كيلو متراً، تمنع أى وجود عسكرى سورى فيها. الثاني: الادعاء بإجهاض هجوم تنظيمات متطرفة مسلحة، سعت للعدوان على الدروز، فى إعلان الوصاية عليهم، وعدم السماح بأى تهديد لهم، وتقديم نفسها حامية وضامنة لوجودهم، ولكل الأقليات فى المنطقة، والتى تمثل رؤية سبق لوزير الخارجية يسرائيل كاتس الكشف عنها، بمناسبة تعيينه فى منصبه فى فبراير الماضي، عندما اعتبر بلاده أقلية فى المنطقة، وتحالفاتها الطبيعية مع الأقليات الأخري، مثل الدروز فى سورياولبنان، والأكراد فى إيران وتركيا والعراق وسوريا، لم يكتف الوزير بذلك، بل تجاوز يومها، وحدد طبيعة النظام المطلوب إسرائيلياً فى سوريا، ب (الفيدرالية اللامركزية). وكانت بداية الأزمة الأخيرة، فى حالة توتر شديدة، خلقها تسريب لتسجيل صوتى مفبرك، لرجل دين درزى يدعى مروان كيوان، تضمنت إساءة للإسلام والرسول الكريم، كذبه الرجل بنفسه، ونفى أن يكون له أى صلة به، أعقبها خروج عشرات الأشخاص المسلحين، ووصفتهم إدارة الأمن العام بأنهم مجموعات منفلتة، وفصائل خارجة عن القانون والدولة، رغم أن بعضهم ينتمى إلى تنظيم هيئة تحرير الشام «النصرة سابقاً»، فى تظاهرات تطالب بالجهاد، وتعتدى على الأهالى فى المنطقة، حيث أغلبية السكان من الطائفة الدرزية، سرعان ما انتهت بعد التدخل النبيل من الزعيم الدرزى اللبنانى وليد جنبلاط، الذى التقى مع أحمد الشرع الرئيس السورى الانتقالي، وعقد اتفاقاً بين الأجهزة الأمنية وممثلى الدروز عبر شيخى العقل فى السويداء حمود الحناوى ويوسف جربوع، مما قطع الطريق، أمام المطالبة بالحماية الدولية من أقلية درزية، يمثلها الشيخ حكمت الهاجري. ولعل التاريخ يكشف عن استخدام إسرائيل لورقة الأقليات فى سوريا، خاصة الدروز، ليس وليد اليوم، ولكنه مشروع مطروح منذ أربعينيات القرن الماضي، وتم الإعلان عنه رسمياً فى عام 1967، عقب احتلال الجولان، بالسعى إلى توحيدهم فى سورياولبنان وفلسطين، فى دولة تابعة لها، ووجدت إسرائيل فى انهيار نظام الأسد فرصة فى إحياء المشروع، ضمن رؤية لتقسيم سوريا إلى أربعة دول، (كردية) فى الشمال الشرقى بحماية إسرائيلية أمريكية، (سنية) فى الشمال والوسط بحماية تركية، ودولة (علوية) فى الساحل بحماية روسية، و(درزية) فى الجنوب السورى بحماية إسرائيلية، وهناك تباين بين المكون الدرزى حتى داخل إسرائيل تجاه هذا المشروع، رغم أنهم من الأقليات المسموح لهم بالتجنيد فى الجيش، بين الرفض والذى تجسده لجنة المبادرة الدرزية ولجنة التواصل، الداعمين لوجود دروز سوريا ضمن دولة موحدة، دون أن يعنى أن هناك تياراً آخر يتماهى مع المشروع الإسرائيلي، بالدعوة إلى التدخل والتشدد مع الحكومة السورية الحالية، ومنهم الوزير السابق فى الحكومة الإسرائيلية أيوب قرا، الذى روج لفكرة تعرض الدروز فى الأيام الماضية إلى مذبحة، وطالب الحكومة الإسرائيلية بدخول سوريا للدفاع عن البلدات الدرزية فى محافظة السويداء، ومنهم أيضاً الرئيس الروحى للطائفة فى إسرائيل موفق طريف، بمواقفه المتطرفة والمرفوضة من جهات عديدة وأهمها من لبنان، وحذر زعيم الدروز وليد جنبلاط من أن مواقف الشيخ وأتباعه، قد تورط أبناء الطائفة بحرب لن تنتهى ضد المسلمين، واعتبر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز فى لبنان الشيخ سامى أبى المنى ما يحدث مشروع فتنة. ولعلنا - ومن موقفنا المبدئى من الحفاظ على سوريا موحدة ومستقرة - نتحدث بصراحة أن الإدارة الجديدة، مطالبة بسرعة (سد الذرائع)، وتمتين الجبهة الداخلية، ضد أى مشروع لاستخدام الأقليات ك (حصان طروادة)، لتحقيق تلك المشاريع، وعلينا أن نعترف، بأن الإدارة الجديدة، تعانى من غياب رؤية لمعالجة الملف، يترافق مع هشاشة فى الملف الأمني، ووضع اقتصادى واجتماعى مأزوم، وقد نتوقف عند ثلاث حوادث تنذر بالخطورة، خلال الأشهر القليلة الماضية، (أولها) ما جرى فى السادس من مارس الماضى فى محافظات الساحل، والتى شهدت مواجهات دموية وعمليات انتقام واسع، وإعدامات ميدانية طالت علويين، (والثانية) ما جرى منذ أيام فى محافظة السويداء ضد الدروز، (والثالث) المؤتمر الذى نظمته جماعات كردية نهاية الشهر الماضى فى شمال شرق سوريا، وتبنت فيه رؤية سياسية، قد تكون مخالفة للاتفاق الذى تم التوقيع عليه بين أحمد الشرع ومظلوم عبادى قائد قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكرى للإدارة الذاتية الكردية فى العاشر من مارس الماضي، الأمر يحتاج إلى تحرك سريع باتجاه مشاركة سياسية واسعة من كل الطوائف والجماعات السياسية، وعدم قصرها على لون سياسى واحد، والإسراع بالانتهاء من المرحلة الانتقالية فى أسرع وقت دون انتظار ثلاث سنوات كما تم تحديدها من قبل.