لم يكن وليد بك جنبلاط يتوقع أن ترتكب جبهة النصرة - فرع القاعدة فى سوريا- مجزرة بحق الدروز بعدما أعلن صراحة أن جبهة النصرة ليست إرهابية ووصفها بأنها فرع من الثوار السوريين ضد ظلم بشار الأسد. وبعدما طلب من دروز سوريا عدم المشاركة فى الحرب لمصلحة النظام السورى ضد النصرة وغيرها ربما كان يريد بذلك حماية الدروز المنتشرين فى سورياولبنان وفلسطين ،وهم الذين تعرضوا لاضطهاد وقتل خلال مئات السنين من وجودهم بالشرق.. يوم الخميس الماضى ارتكبت النصرة مجزرة راح ضحيتها 40 دروزيا فى قرية قلب لوزة بريف إدلب بسوريا ،فقامت قيامة الدروز فى سورياولبنان وفلسطين، فكيف حدثت المجزرة وماتداعياتها على مؤيدى الأسد ومناهضيه من الدروز،وهل ستتدخل إسرائيل بحجة حماية الدروز لتفصل بين حدودها مع سوريا بدويلة دروزية،وهل يمكن أن تتكرر المجزرة فى ظل الدعوة بضبط النفس واعتبار ماحدث واقعة فردية حسب تصريحات بعض قادة الدروز المتعاطفين مع النصرة؟ وكان دروز إدلب خلال الشهور الماضية قد تعرضوا للتنكيل بهم بعدما طلب منهم مسلحو النصرة التخلى عن عقيدتهم التى وصفوها بالكفر ،وبالرغم من إعطاء قائد جبهة النصرة فى سوريا أبو محمد الجولانى الأمان لدروز إدلب خلال مقابلته تليفزيونية منذ إسبوعين،فإن المجزرة وقعت بعد قيام عناصر من النصرة بقيادة التونسى بمصادرة بعض منازل أهالى البلدة الذين تصدوا لهذا العمل، فطلب التونسى من اهالى البلدة التجمع فى ساحتها، طالباً منهم اخلاء بعض المنازل، والتحاق الشباب ما بين 16 و30 سنة بمعسكرات لجبهة النصرة لمدة شهرين لتدريبهم على القتال، وتسليم كل الاسلحة الفردية للنصرة، فرفض الاهالى فقام التونسى على الفور بقتل اثنين منهم، متهماً الدروز بأنهم كفّار وغير مسلمين. وعندما حاول الاعتداء على أحد كبار السن، ، استولى احد شباب القرية على سلاح احد مقاتلى النصرة وأطلق النار على المسلحين فقتل 3 منهم، واستطاع الاهالى منع التونسى من السيطرة على البلدة، فاستقدم آليات ومسلحين واقتحم القرية وارتكب مجزرة راح ضحيتها 40 قتيلا دروزيا. ردة الفعل من الدروز لم تكن متوقعة حيث طلب زعيم الدروز فى لبنان رئيس اللقاء الوطنى الديمقرطى النائب وليد جنبلاط من شيخ عقل الدروز نعيم حسن عدم التعليق على ما جرى فى إدلب حسب مانقلته جريدة الأخبار اللبنانية،ومن المعروف أن جنبلاط لايعتبر النصرة إرهابية،بل يصفها بالثوار. وعلى النقيض من موقف جنبلاط خاطب رئيس حزب التوحيد العربى الوزير الدروزى السابق وئام وهاب، سفراء الدول الكبرى وكل السفراء المعتمدين فى لبنان،بالدفاع عن الدروز قائلا فى برقية للسفراء :إننا نهيب بضمائركم الحية وأصواتكم الحرة أن تقفوا مع العدل والحق والكرامة وحقوق الإنسان لوقف المذبحة الجماعية والتطهير الدينى والمجازر، التى يندى لها الجبين التى ترتكب بحق أبناء طائفة الموحدين المسلمين الدروز فى سوريا على أيدى أبو محمد الجولانى وعصابة الإرهابيين، والضغط على مجلس الأمن الدولى بالتدخل مع تركيا التى تتحمل المسئولية الكبرى فى دعمها وتمويلها للجماعات الإرهابية التى تمارس أبشع أنواع الجرائم الدولية، بل وطالب وهاب فى تصريحات صحفية بضرورة تسليح الدروز من قبل النظام السورى للدفاع عن وجودهم ومدنهم وقراهم.. ومن جانبه زار المرشح الرئاسى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مقرإقامة وليد جنبلاط فى بيروت فى حضور اسرته، ووزير الصحة الدروزى وائل ابو فاعور والنائب نعمة طعمة،ومن المعروف أن جعجع ومعه فريق 14آذار يؤيدون المعارضة المسلحة ضد الأسد كما يرى جنبلاط تماما, وبعد مجزرة الدروز فى إدلب تتجه الأنظار إلى محافظة السويداء السورية ذات الأغلبية الدروزية ، حيث تعيش قلق سيطرة النصرة وداعش على المناطق القريبة منها، فى ظل دعوة رئيس اللقاء الديمقراطى وليد جنبلاط أبناء المحافظة الدروزية إلى الالتحاق بالثوار، ما يعنى تكرار سيناريو ريف إدلب، ويرى المراقبون احتمال تدخل إسرائيل بحجة حماية الأقلية الدروزية المهددة بالقتل، فى حين يدرك الجميع أن الفصائل المسلّحة التى تقاتل فى الجنوب السورى تدار من قبل غرفة عمليات يشارك فيها ضباط من الجيش الإسرائيلي، ما يشير إلى أن حكومة تل أبيب كانت قادرة على الطلب من هؤلاء عدم استهداف أهالى السويداء، لكنها على العكس من ذلك تريد منهم أن يطلبوا الحماية منها من أجل إعطاء الشرعية لتدخلها، لتحقيق أحلامهم القديمة. من جانبها أشارت صحيفة هآرتس الاسرائيلية إلى أن "إسرائيل قررت عدم التدخل عسكرياً لحماية أبناء الطائفة الدروزية فى سوريا رغم توجه قيادات الوسط الدروزى فى البلاد إلى الحكومة بطلب تقديم الدعم العسكرى لإخوانهم فى الجانب السورى من الحدود.. وبالرغم من التقارب بين الدروز وإسرائيل بعد اعلان دولة اسرائيل عام 1948، تكثفت المحاولات لإنشاء تحالف بين تل أبيب والموحدين الدروز، ولعبت الاستخبارات الاسرائيلية دوراً مهماً فى تحريك مجموعات سعت لإنشاء كيان دروزى فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى ،وتم التسويق اسرائيلياً لفكرة انشاء دويلات طائفية فى المنطقة، وترى إسرائيل الآن بأن المسألة قابلة للتنفيذ الفورى خلال الانشغال بالحرب السورية وقلق الموحدين الدروز من تقدم داعش او جبهة النصرة فى ريف السويداء، وفى إسرائيل يستغل بعض الدروز الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية الهواجس لحشد تأييد دروزى لأى تدخل عسكرى من قبل تل أبيب،وهو ما دفع نوابا دروزا بالحكومة الاسرائيلية للمطالبة باتخاذ قرار التدخل،ومنذ ايام أعلنت تل أبيب استعدادها لاستقبال وحماية الدروز إذا فرّوا من مواجهة النصرة أو داعش. وعودة إلى مجزرة الدروز فى إدلب عقد اجتماع الجمعة الماضى فى دار الموحدين الدروز ببيروت أكد المجتمعون فيه من القادة ومشايخ الدروز "ضرورة الحفاظ على الثوابت وعدم جرّ الدروز إلى حمام الدم". واكد رئيس اللقاء الديمقراطى زعيم الدروز وليد جنبلاط أن دروز سوريا وعموم الشعب السورى هم من نسيج اجتماعى واحد يجب الحفاظ عليه والتنبّه من المشاريع الفتنوية العاملة على ضربه وتفتيته،مشيرا خلال مؤتمر صحفى عقده عقب اجتماع مشايخ الدروز أن الحادثة فردية ولاتستحق كل هذا التهويل وأنه يسعى لحلها دبلوماسيا مع أطراف دولية وإقليمية وهو التصريح الذى لم يلق قبولا لدى معارضيه. جدير بالذكر أن الدروز فى سوريا يبلغ تعدادهم حوالى 500ألف نسمة من عدد سكان سوريا البالغ 24مليونا ،وكانت هناك مطالبات سابقة بعد اشتعال الاحداث فى سوريا بخروج الدروز من هناك الى لبنان عبر تركيا ،وقد أبدت تركيا موافقتها ،ولكن الدروز فى السويداء وإدلب السورية رفضوا ترك بيوتهم وأرضهم . وفى ظل تناقض المواقف الدرزية تجاه ماتفعله النصرة وداعش،وتوجس الدروز على وجودهم الفعلى فى المنطقة خوفا من مصير المسيحيين والإيزيديين،هل تقفز إسرائيل إلى مقدمة المشهد مستغلة حاجة الدروز للحماية وعدم قدرة الأسد على المواجهة ،لتصنع دويلة يسكنها الدروز على الحدود مع سوريا،أم أن الدروز سيكونون أكثر فطنة مما يحاك لهم ،ويدافعون عن أرضهم مثلما فعل الأكراد فى مواجهة داعش والنصرة فى عين العرب كوباني؟الأيام المقبلة وحدها تحمل الإجابة.