في زمن تغيرت فيه كل معاني البر وانهارت فيه روابط الدم والرحم، أصبح دم الأمهات مستباحًا وعلى يد من؟ .. أقرب المقربين .. بأيدي أبنائهن. في لحظة واحدة انهارت كل القواعد وتحطمت الفطرة وسقطت أقدس علاقة عرفها الإنسان في مشهد لا يصدقه عقل. عندما تكون الأم هى الضحية والقاتل هو ابنها، أيُ قلب هذا؟ مشهد يخلع القلوب ويصدم الضمائر وقعت جريمتين مروعتين في محافظتي الشرقيةوالمنيا لهما نفس التفاصيل والعنوان القاسي، ابن بقتل والدته. ليست الجريمة في أدوات القتل ولا في تفاصيلها الدامية بل فيما هو أعمق وأخطر .. كيف تجرأ قلب شاب على إزهاق روح من منحته الحياة؟ كيف طاوعته يداه على إنهاء حياة من حملته تسعة أشهر وسهرت الليالي لأجله وربته وتحملت من أجله كل صنوف التعب والمشقة؟ ما نحكيه هنا ليست مجرد قصتين من قصص الحوادث بل هما ناقوس خطر يدق في مجتمع تتهدد فيه أقدس الروابط الأسرية، فأم تُقتل على يد ابنها في الشرقية وأخرى تلقى مصيرًا مشابهًا في المنيا، بينما تظل الأسئلة معلقة دون إجابة، ما الذي يدفع الابن إلى هذا الحد؟ هل هو انهيار نفسي؟ أم قسوة قلب؟ في هذا التقرير نستعرض تفاصيل الجريمتين ونحاول أن نرسم ملامح الإجابة على السؤال الأكثر وجعًا وهو كيف تحول الحضن الدافئ إلى ساحة جريمة وتحول الابن إلى قاتل؟ طعنت خناجر الغدر قلوب الأمهات في عقر دارهن من أقرب الناس لهن، جريمتان تهزان الوجدان وتجلدان الضمير أم تتوسل للرحمة ويد ابنها من تقتلها. الجريمة الأولى وقعت في قرية شمس الدين التابعة لمركز بني مزار بمحافظة المنيا والتي كشفت عن وجه آخر للعنف الأسري، وذلك حين أقدم شاب يبلغ من العمر 22 عاما على قتل والدته التي تجاوزت الخمسين ودفن جثتها في حفرة داخل أرض زراعية مجاورة ثم حاول تضليل الجميع بنشر خبر تغيبها عن المنزل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في البداية تلقت الأجهزة الأمنية بلاغًا يفيد باختفاء ربة منزل في ظروف غامضة ما دفع أسرتها والجيران للبحث عنها لساعات دون جدوى. لكن ما أثار الشكوك هو سلوك الابن الذي بدا مرتبكًا، بل وساعد في نشر خبر اختفاء والدته في محاولة لإبعاد الشبهات. وبدم بارد كتب على مواقع التواصل أن والدته خرجت ولم تعد وناشد الجميع بالدعاء والبحث بينما الحقيقة كانت مطمورة تحت التراب والدته قتلت على يديه ودفنت بيديه وكل ما يفعله كان محاولة منه للهروب من ايدي العدالة. لكن فريق البحث الذي شكل برئاسة المقدم أحمد سعيد رئيس مباحث المركز توصل سريعًا إلى مفاجأة صادمة وذلك في أقل من 48 ساعة حيث تم الوصول لموقع دفن الجثة في إحدى الحفر الزراعية فوُجدت الأم مغطاة بالتراب وعليها آثار عنف واضحة. اقرأ أيضا: قاتل والدته وأشقائه| الإعدام شنقًا ل «سفاح عزبة رستم» ليكتشف فريق البحث أن الابن هو من ارتكب الجريمة، وأخفى جثة والدته في حفرة وسط الزراعات ليتم ضبط المتهم وأودعت الجثة مشرحة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة. الجريمة حتى هذه اللحظة نستطيع أن نقول إنها وقعت في ظروف غامضة رغم وجود خلافات بين الأسرة لكن في نفس الوقت كان الابن يعاني من تقلبات نفسية وسلوك غير مستقر في الفترة الأخيرة ولهذا أمرت النيابة العامة بإجراء تحريات موسعة للوقوف على الدوافع الحقيقية للجريمة التي تبقى تفاصيلها الكاملة قيد البحث بينما يبقى السؤال الأهم ما الذي يدفع الابن لارتكاب أبشع خيانة في الحياة وهى قتل الأم ثم دفنها بصمت؟ هل كان يعاني من اضطراب نفسي؟ أم أن الجريمة كانت فعلا مع سبق الإصرار وخطة محكمة بدأت بالتفكير وانتهت بالدفن والتضليل؟ وفي هذه القضية الأم لم تكن فقط ضحية طعنة بل ضحية مجتمع لا يزال يتعامل مع العنف الأسري والصحة النفسية بالصمت حتى تقع الفاجعة. وهنا ننتقل الجريمة من المنياالشرقية هذه المرة وتحديدًا في قرية كشيك الهادئة التابعة لمركز أبو حماد بمحافظة الشرقية استيقظ الأهالي على جريمة تجاوزت حدود الفهم والعقل. شاب عشريني كان معروفا بين أهل قريته بهدوئه وانطوائه حمل آلة حادة في لحظة انفلات وهجم بها على أسرته داخل منزلهم ليتحول ذلك المنزل إلى مذبحة غير مكتملة ففي دقائق معدودة سقطت والدته قتيلة وأصيب والده وشقيقته بجروح بليغة نقلوا على إثرها إلى المستشفى في حالة حرجة. القاتل وفقا لما كشفته تحريات المباحث يعاني من اضطرابات نفسية حادة منذ سنوات، حيث كانت الأسرة تتعامل معه بحذر وتحاول دعمه نفسيًا قدر استطاعتهم لكن أعراض المرض تفاقمت. عزل نفسه لفترات طويلة راوده الشك في نوايا من حوله، وتكررت نوبات الغضب والانفعال غير المبرر حيث كان يعاني من فصام عقلي حاد وهو اضطراب نفسي قد يدفع المصاب به إلى الهلوسة والاعتقاد بوجود تهديدات وهمية من أقرب الناس إليه. في يوم الجريمة قد يبدو أن إحدى هذه النوبات بلغت ذروتها، فانفجر غضبه كبركان لم يتردد ولم يسمع صراخ أمه ولا توسلات والده ولا دموع شقيقته. هاجمهم بعنف وكأنهم أعداء وعندما حضرت الشرطة كان يقف وسط الدماء صامتا بدون تعبير على وجهه. النيابة باشرت التحقيق وتم التحفظ على جثة الام بينما يخضع الجاني للتقييم النفسي وما زال سؤال يتردد، كيف يتحول مريض لم يعالج بجدية إلى قاتل داخل منزله؟ ورغم اختلاف تفاصيل الجريمتين، إلا أن بينهما خيطًا مشتركا وهو الانفجار النفسي في الحالة الأولى تبدو الخلفية مرتبطة بخلافات أسرية وضغوط نفسية لم تجد متنفسًا آمنا، وفي الثانية، كان المرض العقلي هو المحرك الأساسي للجريمة. يقول الدكتور أحمد حسين أستاذ الطب النفسي إن الفصام غير المعالج أو المهمل قد يؤدي لنوبات عنف مفاجئة خاصة إذا كان المريض لا يتلقى العلاج بانتظام أو يعيش في بيئة تزيد من توتره، وذلك المريض يجب أن تكون هناك معاملة خاصة ومتابعة لكل ما يفعله حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه كما حدث في تلك الواقعة بالفعل. فيما تقول الدكتورة منى عبد الباقي استشارية علم النفس إن المجتمع المصري لا يزال يتعامل مع المرض النفسي باعتباره وصمة وبالتالي لا تسعى كثير من الأسر لطلب المساعدة إلا بعد فوات الآوان أما في القرى فالمريض النفسي غالبا ما يترك لعزلته أو يخضع لعلاجات شعبية لا تُجدي. وتضيف استشارية علم النفس أن الأخطر من ذلك أن كلتا الحالتين كشفتا عن غياب أدوات التدخل المبكر فلا توجد آلية حقيقية لحماية الأسر التي يعيش فيها مريض نفسي يشكل خطرًا، ولا يوجد وعي كاف بمؤشرات السلوك العنيف أو التحولات الخطرة في الشخصية حتى وقعت الكارثة. ما حدث في الشرقيةوالمنيا ليس مجرد جريمتين بل تحذير واضح، فهل نحن مستعدون للإنصات لما تقوله هذه الجرائم لنا؟