رغم تضافر جهود المجلس القومي للمرأة، ووزارة العدل، لمحاربة ظاهرة ختان الإناث من أجل القضاء عليها نهائيًّا، التى حققت طفرات فى نتائج الحد منها وملاحقة مرتكبيها من الأهل أو الأطباء والمراكز الطبية، إلا أنه مؤخرًا تم رصد تبنى دعوات للتحريض على ممارسة جريمة ختان الإناث من بعض الأطباء والإعلاميين والمشايخ، من خلال التصريحات الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعى والقنوات الفضائية، يدعو أصحابها إلى التسامح مع ممارسة جريمة الختان للإناث، وأمام جهود الملاحقة والتتبع سواء من الجهات الرسمية أو من المجتمع المدنى، نجد اعتذارًا لاحقًا من أصحابها دون إتمام محاسبة مجدية عن تبنى التحريض على الجريمة، حيث يتعثر القانون في الحد من الإفلات من العقاب. هناك إحصاءات رسمية حول ارتفاع معدلات تطبيب الختان، مما استدعى ردود أفعال رسمية أو شبه رسمية حيال خطابات التحريض على الجريمة، والاعتذار الشكلى عنها لاحقًا، التى لا تحصل إلا تحت وطأة التهديدات بالملاحقة القانونية، لكن يتم التسامح معها فى النهاية بحجة الاعتذار عن تصريحات غير مقصودة، بما يجعل الاعتذار أشبه بالسم فى العسل، ويتطلب منا سؤالًا حول جدوى جهود التوعية، ليس فقط بين الفئات الأقل تعليمًا، وإنما بين الفئات الأكثر تأهيلًا وتعليمًا من صفوف الأطباء والإعلاميين والمشايخ المعتمدين. ◄ اعتذارات شكلية توضح الدكتورة نيفين عبيد، مديرة مؤسسة المرأة الجديدة: «رصدنا مجموعة من الوقائع التى تم تداولها علنًا، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو على منصات التواصل الاجتماعى، التى تبنى أصحابها بشكل مباشر أو غير مباشر تبرير هذه الممارسة أو التقليل من خطورتها، قبل أن يصدروا لاحقًا اعتذارات شكلية غالبًا ما جاءت تحت ضغط الرأى العام أو الملاحقة المجتمعية، دون أن تؤدى إلى محاسبة فعلية أو مراجعة جذرية للمواقف". أضافت، يتطلب الأمر فهم السياق المؤسسى الذى يسمح بتكرار مثل هذه الخطابات، سواء من خلال قصور فى آليات المساءلة داخل النقابات المهنية، أو من خلال ضعف الردع القانونى والإعلامى تجاه التحريض على العنف ضد النساء، بما يفتح المجال لتحليل أوسع حول مفهوم الإفلات من العقاب، وحدود التغيير الممكن عبر أدوات التوعية وحدها دون مساءلة فعلية، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات تورط مقدمى الخدمات الصحية فى ممارسة تطبيب «تشويه الأعضاء التناسلية»؛ مشيرة إلى أن المسح الصحى للأسرة المصرية فى 2022 كشف أن 71٪ من عمليات تشويه الأعضاء التناسلية لفتيات فى الفئة السنية بين 15 إلى 29 عامًا أجراها أطباء، و8٪ من العمليات أجرتها ممرضات، فيما 17٪ من هذه العمليات أجرتها «الداية". ◄ اقرأ أيضًا | تعرف على طرق الإبلاغ عن جرائم الختان ◄ الوازع الديني وقالت نيفين، إن دراسة لمنظمة الصحة العالمية أُجريت على 193 طبيبًا، كشفت أن 18٪ منهم أقروا بممارسة عمليات ختان الإناث، وكان الوازع الدينى هو الدافع الأكبر وراء إجراء الأطباء عمليات الختان بنسبة 82٪، فى حين أشارت نسبة أخرى من أطباء العينة (18٪) إلى إجراء العملية بهدف الربح، ورجّحت الدراسة أسباب تلك الزيادة الطبية فى هذه العملية بسبب اقتناع الأطباء ومقدمى الرعاية الصحية بأنها تلبية للطلب الثقافى داخل المجتمع، وأشارت المنظمة إلى أنه فى 2024 تم رصد تصريحات لعدد من الأطباء وبعض رجال الدين على شبكات التواصل الاجتماعى لتطبيب تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وقالت: «نقدم رؤية تحليلية تفيد بأن «الاعتذار وحده لا يكفى» إذا ما عُقدت إرادة جميع المعنيين بضرورة الحد من الإفلات من العقاب حول جريمة ختان الإناث». ◄ وقائع مرصودة تابعت مديرة مؤسسة المرأة الجديدة، أنه مؤخرًا رصدت عدة وقائع أبرزها واقعة طبيب الأسنان (ح.ع)، الذى استنكر تجريم هذه الوقائع للإناث فى حين أجازها للذكور، متسائلًا على حسابه على فيسبوك عن أسباب تجريم ختان الإناث، وفى واقعة أخرى، قدّم أستاذ جامعى فى كلية طب قصر العينى (أ.ع)، أستاذ أمراض الذكورة واستشارى العقم بحسب صفحته على فيسبوك، تبريرًا «لختان الإناث» أثناء حلقة «بودكاست» على إحدى المنصات، بأنه تهذيب وتجميل للأعضاء التناسلية، وفى أحد البرامج الدينية على قناة «القاهرة والناس»، طرح مذيع الحلقة سؤالًا حول «ختان الإناث» على أحد مشايخ الأزهر، فجاء الإيجاب والاستحباب، إلا أن إذاعة الحلقة جاءت بمثابة تهديد كبير لكل ما قامت به أجهزة الدولة الرسمية لمناهضة هذه الجريمة، خاصة بعد نتائج المسح الصحى الشامل للأسرة المصرية وتحسن نسب ختان الإناث مقارنة ب 2004. ◄ يقظة المجالس القومية وقالت نيفين، إنه كانت هناك يقظة من المجالس القومية للعمل سريعًا على مواجهة الحالات، سواء التى تفضحها آراء على الصفحات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعى، أو التى تمت إذاعتها فى وسائل الإعلام، وخاصة على الفضائيات، حيث لعب المجلس القومى للمرأة دورًا واضحًا فى إذاعة اعتذار مذيع البرنامج الدينى، وقناة «القاهرة والناس» عن بث أية آراء وتلميحات إيجابية تبرر «ختان الإناث»، كما نشر الأستاذ الجامعى (أ.ع) فيديو توضيح على صفحته يوضح أن ما أشار له من استحباب لممارسة الختان فى حلقة البودكاست كان مُجردًا من سياقه، وأنه يؤكد على تجريم تطبيب ختان الإناث، وبحسب متابعة إذاعة اعتذار قناة «القاهرة والناس»، الذى استبقه شعار المجلس القومى للمرأة فى إشارة لدور المجلس فى طلب اعتذار القناة عن الفقرة الداعية والمحفزة لممارسة «ختان الإناث» فى أحد برامجها الدينية، إلا أن الاعتذار جاء على خلفية الطرح غير المقصود، والتأكيد على تجريم هذه الممارسة. ◄ تصريحات مقصودة تابعت، إن تعليل التصريحات الإعلامية حول تبرير ممارسة «ختان الإناث»، التى تطفو من وقت لآخر، لا تأتى فى سياق غير مقصود، وإنما تأتى فى سياق مقصود وكاشفة عن وجود قناعات لدى أصحابها، سواء كانوا من رجال دين أو إعلاميين، كاشفة عن وجود المزيد من هذه الفئات لا تزال على قناعة بتبريره ولا تعتبره فى مرتبة الجريمة التى يعاقب عليها القانون، علمًا بأنه دائمًا ما يأتى هذا الاستيضاح أو الاعتذار تحت ضغوط الرصد والملاحقة، ولا يأتى التوضيح من وازع شخصى من أصحابها، بل فى الأغلب ما تكون رد فعل بغرض الإفلات من العقاب، وهو ما يصعد سؤالًا حول التثقيف الواجب لكلٍ من الإعلاميين، خاصة فى مجال البرامج الدينية، والمشايخ حول «ختان الإناث»، ونبذ هذه الممارسة لما لها من أثر محفّز للعنف ضد النساء والفتيات، كما له أثر فادح من المضار النفسية والجسدية، سواء على النساء اللاتى مررن بهذه التجربة الأليمة أو على الفتيات المعرضات لخطر الممارسة. وأشارت عبيد، إلى أنه رغم جهود الدولة والمجتمع المدنى المتراكمة فى تجريم تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، التى جاءت فى قانون العقوبات بتجريم الممارسة، بل وإغلاق المنشأة الطبية، إلا أن تفعيل تجريم التحريض باعتباره الجُرم الأكثر انتشارًا، والأكثر إعلانًا إذا ما أردنا المتابعة والرصد، هى البنود ذاتها التى يمكن من خلالها الحد من الإفلات من العقاب للحالات التى تناولناها. وأخيرًا، أشارت إلى أننا فى ضوء المتابعة لارتفاع معدلات التطبيب، يتصاعد لدينا العديد من الأسئلة حول نظرة الأطباء أنفسهم إلى خطاب التحريض والدعوة، الذى يتبناه نسبة ملحوظة منهم واعتباره خللًا فى القيام بالمسئولية الطبية، ناهيك عن الفهم غير العلمى لممارسة جريمة فى حكم القانون بإحداث عاهة مستديمة للإناث تحديدًا فى سن الطفولة، وهو ما يجب أن يُعاقب عليه القانون، كما يجب أن تُنص عليه مخالفة أدبية نقابية قد تصل إلى الشطب من النقابة. ◄ جهد النيابة من جانبها، أعربت المستشارة أمل عمار، رئيسة المجلس القومى للمرأة، عن خالص شكرها وتقديرها إلى النيابة العامة على الجهد المبذول والتدخل السريع فى إحباط 7 محاولات ختان إناث بمحافظة أسيوط، وحالة أخرى بسوهاج، وإنقاذ الفتيات من هذه الجريمة، مؤكدة على أن اللجنة الوطنية عازمة على القضاء على هذه الجريمة والتوعية بمخاطرها، بإطلاق النسخة الجديدة من الحملة الإعلامية التوعوية «احميها من الختان»، التى تستهدف بث رسائل قوية وواقعية عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعلى منصات التواصل الاجتماعى الرسمية، لنشر الوعى بأنها لا تمت للطب بأى صلة، وأن الدين منها بريء. أضافت، سنتصدى بكل قوة وحزم لكل من تسوّل له نفسه المساس بحقوق الفتيات والسيدات، وضمان تطبيق القانون بحزم على كل من يشارك فى هذه الجريمة، حتى يتم القضاء النهائى عليها، وضمان مستقبل آمن وكريم للفتيات. ◄ 7 محاولات فيما أوضحت الدكتورة سحر السنباطى، رئيسة المجلس القومى للطفولة والأمومة، أن المجلس قد أحبط الأسبوع الماضى محاولات لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث ل7 فتيات والمعروف ب«الختان» بمحافظة أسيوط، حيث ورد بلاغ إلى الإدارة العامة لنجدة الطفل من مُبلغ طلب سرية بياناته، يفيد باعتزام أهلية الأطفال الفتيات، وهم أبناء عمومة مقيمون بمركز أبنوب بمحافظة أسيوط، وتتراوح أعمار الفتيات بين (10 -12) عامًا، إجراء عملية ختان لهن. كما تم تلقى بلاغ آخر من محافظة سوهاج، يفيد باعتزام أهلية طفلة تبلغ من العمر 9 سنوات، إجراء عملية ختان لها. وأشارت إلى أنه فور تلقى الشكاوى على خط نجدة الطفل، تم إحالة الوقائع إلى مكتب حماية الطفل والأشخاص ذوى الإعاقة والمسنين بمكتب النائب العام، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، وقد باشرت النيابات المختصة تحقيقاتها فى الوقائع التى أُحيلت إليها، وتم ضبط الأهالى قبل إجراء هذه الجريمة، وأخذت النيابة العامة التعهدات اللازمة بحسن رعاية الأطفال، وعدم تعريضهن للخطر، وعدم إتمام هذه الجريمة. وأكدت السنباطى، أن المجلس يتصدى لجريمة تشويه الأعضاء التناسلية بكل حزم وحسم، وأنه لا تهاون أبدًا فى انتهاك حقوق الفتيات البريئات، وأن اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث أخذت على عاتقها منذ تأسيسها التوعية بالأضرار الجسدية والنفسية لهذه الجريمة، ونشر الوعى بالقانون رقم 10 لعام 2021 بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لتشديد العقوبات المقررة على جرائم ختان الإناث، لتصل إلى 15 و20 عامًا، فضلًا عن معاقبة كل من روّج أو دعا أو شجع لهذه الجريمة، كما يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه، ولو لم يترتب على فعله أثر، مستنكرة استمرار بعض الأهالى فى الإضرار بالأطفال الفتيات وتعريضهن للعديد من المخاطر.