قبل سنوات أهدتنى روايتها «الست»، أخطأتْ فى كتابة اسمى بالإهداء، وعندما انتبهتْ حاولت استبدال النسخة بأخرى، لكننى رفضت وتوعدتُها بقراءة متربصة، غير أن الرواية خطفتنى وقررتُ الكتابة عنها، والاحتفاء بكاتبة أعتز بزمالتها فى جريدة «الأخبار»، وسط الانشغالات ضلّ القرار طريقه، وربما حدث ذلك كمكيدة مُرتدة ارتكبها اللاوعي، وكانت النتيجة انتقاماً متبادلاً بين ذاكرتين ضبابيتين! بعدها بسنوات، قدّمت لى سمر نور روايتها الجديدة «تماثيل الجان» بإهداء صحيح، وللمرة الثانية اجتذبنى عالمها، وأدهشنى انتقالها السلس من الواقعية المفرطة بالرواية الأولى، إلى الغرائبية المُتفجرة بالإبداع فى الثانية، عبر الروايتين أتقنت الكاتبة تشكيل ألاعيبها السردية والتحكم بشخصياتها، وأثبتت أنها صاحبة مشروع أدبى يتسم بالتنوع المشحون بالاختلاف. لحسن الحظ، لم أكشف عن رغبتى فى الكتابة عنها، فقد انشغلتُ من جديد، وتاهت روايتها بين أعمال أخرى، ناقشتُ بعضها استجابة للإلحاح، رغم أن مستواها أقل بكثير من روايات سمر التى لم تيأس، وحرصت على إهدائى عملها الأخير «آشا»، وسرعان ما انضم إلى كتب عديدة، تتكدس على مكتبين أرهقهما الزحام.. فى المنزل والجريدة، حتى عادتْ لمحيط اهتمامى بعد دعوة لحضور حفل توقيعها فى مكتبة «ديوان»، وهكذا قرأتُها، واكتشفت من خلالها عالماً غريباً ومغايراً، فرغم أنها تدور فى أجواء النوبة، إلا أنها لم تنزلق إلى فخ الشجن المرتبط بالجنة المفقودة، التى تنتمى إليها أصول الكاتبة، ربما لأنها لم تعايش بحكْم سنها مرحلة تحولات جذرية شهدتها تلك المنطقة، أو لأنها عادت بزمن روايتها قرنين من الزمان، أى إلى ماضٍ يسبق كثيراً فترة تصنيع الحنين. استعانت بخيالها وبثّت الحياة فى دراسات كثيرة أجرتها، لتكشف أسراراً خفية.. أو تبتكرها، وتعيد رسم الجغرافيا المجهولة للمكان، وفى النهاية قدّمت عالماً ساحراً، مزجتْه بأساطير أضفت على الأحداث زخماً من الدلالات ومزيداً من التأويلات. هناك مبدعون يظلمهم القرْب منا، ويسلبهم تقديراً يستحقونه، وسمر نور واحدة من هؤلاء، مع أن سرديتها تستحق المزيد من الضوء، وسط مشهد نظنه مُعتماً.