حول الفانتازيا والواقعية، دار النقاش في المائدة المستديرة الأولي التي أُقيمت ضمن فعاليات الملتقي الروائي، بحضور عدد من الروائيين والنقاد، منهم: منتصر القفاش، منصورة عز الدين، أحمد عبداللطيف، طارق إمام، شيرين أبوالنجا، خيري دومه، نائل الطوخي، طارق النعمان. أدارت المائدة الدكتورة شيرين أبوالنجا وبدأت بطرحها عدد من التساؤلات علي الحضور، تدور في فلك الفانتازيا والواقعية منها: ما هي السمات التي تجعلنا نصنف عملاً فنيًا أنه فانتاز يً؟ وكيف يُضفي الفانتازي هوية جمالية علي المادة الخام المستعارة من الواقع؟ وما هي العلاقة بين الواقعي والفانتازي؟ وما هو موقف الخطاب النقدي من الكتابة الفانتازية؟ هل يثمنها؟ أم يحاول اعادتها إلي الواقع؟ وقالت "أبو النجا" في سياق ما طرحته من أسئلة، قبل التوجه إلي مناقشة الروائيين، أن الكتابة الفانتازية ازدهرت أخيرًا في العالم العربي بعدما كانت قاصرة علي أمريكا اللاتينية في شكل الواقعية السحرية، مشيرة إلي أن هذه الكتابة تحاول أن تنحت نفسها في ظل طغيان الكتابة الواقعية، التي تقدم النص الأدبي وكأنه مرآة للواقع. وعرفت الكتابة الفانتازية بأنها تلك الكتابة التي تتأرجح ما بين الحلم واليقظة، والوعي واللاوعي. فتح هذا التعريف الباب واسعًا علي مصراعية، أمام الكثير من التعريفات للكتابة الفانتازية، إذ قدم كل كاتب تعريفه الخاص للكتابة الفانتازية والغرائبية بشكل عام، مما أدي إلي خلق حالة من الجدل داخل قاعة الفنون بالمجلس الأعلي للثقافة. الجدل الكبير كان حول الوصول لمفهوم واحد محدد للفانتازيا، لكن علي ما يبدو أن الأمر كان صعبًا وسط حضور عدد كبير من الروائيين ذوي التجارب المتعددة والمختلفة في كتابة الأدب الفانتازي أو الغرائبي. قال الروائي أحمد عبداللطيف إن الكتابة العجائبية تقوم علي عمود أو أكثر داخل النص السردي، وهذا العمود قد يكون الحدث أو الشخص أو العالم نفسه عجائبيًا هنا استشهد بروايته "إلياس"، موضحًا: "إلياس" تدور في فترة زمنية طويلة، غير مرتبطة بإطار زمني ومكاني معين، إلا أن العجائبي فيها هو شخصية إلياس القادرة علي التجول في الزمن وقراءته وتقديم أزمة الإنسان في فترات مختلفة. ويري صاحب "كتاب النحات" أن الكتابة الفانتازية في مصر تعاني تهميشًا كبيرًا، في حين تربعت الواقعية علي المشهد الأدبي باعتبارها المتن. ورغم التهميش الذي تعاني منه الكتابة الفانتازية في مصر، إلا أنه يُفضل هذا النوع من الكتابات ويعتبرها استعادة لتراثنا العربي المبني علي الفانتازيا والعجائبية. بينما رأت الكاتبة والروائية منصورة عز الدين أن المشكلة الأساسية التي تواجه الكتابة الفانتازية تعود إلي النقاد، الذين يضعون الأدب الفانتازي أو الغرائبي في سلة واحدة دون قراءة كل تجربة علي حدة، مشيرة إلي أن معيار أصالة الكتابة الفانتازية يكمن في مدي نجاحها في تقديم رؤية مغايرة للعالم الذي نعيش فيه. وأضافت صاحبة "جبل الزمرد" أن الكتابة الغرائبية أو الفانتازية، في أفضل حالاتها الآن بعدما واجهت نفورًا وانكارًا بعض الشيء في بداية انتشارها عربيًا. هذا النفور عانت منه الكاتبة في بداية مشوارها الأدبي مع الروائي طارق إمام حيث قالت: كان يقال لنا أنا وطارق إمام متي ستكتبون كتابة واقعية، وكتابة جادة بعيدًا عن الخيال؟ واعتبرت "عز الدين"تتأن الكتابة الفانتازية كتابة إنسانية لا ترتبط بأمة معينة، وإنما هي نمط إنساني لأن كل الأساطير الخاصة بالشعوب بُنيت علي نمط التخييل والغرائبية، مشيرة إلي أن العمل الجيد هو القائم علي هلاوس اللاوعي والمفتوح علي التأويلات. فيما قال الروائي منتصر القفاش إن اتجاه بعض الروائيين إلي الفانتازيا في مواجهة الكتابة الواقعية المستشرية في الأدب العربي لا يعني أن الروائي تخلي عن الواقع الإنساني، وإنما هي محاولة لإثراء نظرتنا للواقع وقراءته بأسلوب آخر. الظواهر الجديدة "الظواهر الجديدة في الرواية العربية" كان عنوان المائدة الثانية، التي أدارها الناقد الدكتور محمود الضبع وحضرها عدد من الكتاب والنقاد منهم : نجوي بركات، رشا صالح، نهي محمود، محمد قطب، جيهان فاروق، ومحمد زين. قال الضبع إن الكلمة المكتوبة لم تعد لغة التواصل مع جيل الشباب، إذ توارت بحسب قوله- لصالح الثقافة البصرية والمرئية والميديا. وتحدث الضبع عن تجربة قام بها بعد أن وجد الاقبال علي كتبه ضعيفًا، قائلًا: حولت بعض أعمالي إلي ميديا وقمت بنشرها علي اليوتيوب فوجدت حجم المشاهدات غير طبيعيتعلي الرغم من صعوبة ما تناوله الفيديو فقد تحدث عن علاقة الذكاءات المتعددة بالإبداع الأدبي وإلي أي مدي يمكن أن ينمي الإبداع الأدبي القدرات النقدية. وأضاف "الضبع": مدة الفيديو لم تتجاوز العشر دقائق وهو ما دفعني للتفكير بمنطق مختلف فأنشأت قناة يوتيوب خاصة بي وسأضع عليها مؤلفاتي وكتبي باستخدام الموسيقي والمتحركات وإذا كنا نرغب في تبليغ رسالة للشباب أو جذبهم، فعلينا أن تحدث بلغتهم ونعرف آلياتهم. واستشهد "الضبع" بتجربة أخري، نظمها مع عدد من أصدقائه، إذتأعطوا لأبنائهم نسخا من روايات نجيب محفوظ والتي تطبعها مكتبة مصر ذات القطع الصغير وتضع بين صفحاتها بعض الصور وتوهم أنها طبعة للأطفال كنوع من التدريب للذين لا يعرفون نجيب محفوظ من الشباب الصغير ليعلن الضبع عن تعجبه من قراءتهم واستمتاعهم وتواصلهم. الرواية والدراما من المسئول عن العمل الأدبي بعد تحويله إلي عمل سينمائي أو مسرحي أو تليفزيوني؟ هل تقع المسئولية علي عاتق كاتب النص الأصلي، أم تعود إلي كاتب السيناريو، أم إلي المخرج؟ أم أن الجميع يتحمل المسئولية؟ حول هذه التساؤلات دارت المائدة الثالثة، التي جاءت تحت عنوان "الرواية والدراما" أدارها الكاتب والناقد الكبير كمال رمزي، وحضرها عدد من الروائيين والمسرحيين، وأساتذة النقد، منهم : أسماء يحيي الطاهر عبدالله، عصام السيد، حسين عبدالرحيم، سمر نور، الدكتور حمد إبراهيم، شوكت المصري، وائل فاروق. قالت أسماء يحيي الطاهر عبدالله أستاذة النقد المسرحي بجامعة حلوان أنها تعرضت للكثير من الأسئلة حول الأعمال الفنية التي اُستوحت من رواية والدها القاص الراحل يحيي الطاهر عبدالله "الطوق والاسورة"، وكانت الأسئلة من قبيل "هل الفيلم أفضل من الرواية أم العكس؟ هل المسرحية أفضل من الرواية؟ أم أنها شوهتها؟، وأضافت أسماء أن من وجهوا لها الأسئلة كانوا يدفعونها نحو انتقاد الأعمال الفنية التي قدمت رؤية فنية لرواية "الطوق والإسورة" إلا أنها خذلتهم حين قالت لهم أنها استمتعت بكل الأعمال. وأوضحت: فيلم الطوق والإسورة أضاف قصة قصيرة للرواية، ورغم ذلك استمتعت به جدًا، أما المسرحية التي أخرجها سامح مهران، فقد حذفت نص الرواية ولكنني استمتعت بها أيضًا، لأنني تعاملت مع النص المُعد كنص ابداعي مستقل. وكان السؤال المحير بالنسبة لي " لماذا نقارن الأعمال الفنية بالرواية، دون الالتفات للوسيط الجديد التي قدمت للجمهور من خلاله؟ اتفقت مع أسماء، القاصة والروائية سمر نور إذ قالت إن الروائي غير مسئول عن العمل بعد تحويله إلي عمل فني، مستشهدة برواية ذات للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم التي تحولت إلي مسلسل تليفزيوني بسيناريو للكاتبة مريم ناعوم. أوضحت سمر نور أن هناك اختلافات كثيرة بين العملين إلا أنه من غير اللائق أن نقارن بينهما دون الالتفات لاختلاف الوسيط. وتابعت : اعتمد صنع الله ابراهيم في الرواية علي حكاية ذات، مع الاسهاب في التفاصيل العادية، وبمحاذاة ذلك اعتمد علي أرشيف الجرائد، أما "ناعوم" فلم تهتم بذات فقط بل تناولت شخصيات وعوالم أخري وامتد تاريخ العمل حتي ثورة 25 يناير، مستخدمة أرشيف التليفزيون. لكن علينا أن نتعامل مع كلا العملين بشكل مستقل، فبمجرد تحويل العمل الروائي لعمل فني، نتعامل مع المُنتج علي أنه عمل قائم بذاته دون أن نقارنه بالعمل أو النص الأصلي. لماذا لا نقدم أعمالًا مسرحية مأخوذة عن روايات وأعمال أدبية؟ بهذا السؤال بدأ المخرج المسرحي المشاركة في المائدة. قال "عصام السيد": لجأ المسرح للروايات عندما قلت النصوص المسرحية، إلا أن الكثير من الروايات التي تحولت إلي مسرحيات كانت هزيلة جدًا لأن نقل الوسيط إلي وسيط آخر إن لم يتم بحرفية شديدة، يؤدي إلي تشويه العمل أو النص الأصلي. وأضاف المخرج الكبير أن المسرح اتجه منذ فترة طويلة لاعلان موت المؤلف، والدليل علي ذلك أن معظم عروض الشباب الآن، هي عروض مرتجلة لا تعتمد علي نصوص معدة سلفًا، لأنه في اللحظات الفارقة في حياة الشعوب لا يلجأ المسرحيون لنصوص، بل إن حالة الارتجال تكون الأكثر تعبيرًا.