حنان سليمان فى خضم التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، يواجه قانون التجارة الدولية واحدة من أكثر مراحله تعقيدًا منذ نشأة النظام التجارى العالمى الحديث عقب الحرب العالمية الثانية.. فالعالم لم يعد يحكمه فقط منطق تبادل السلع والخدمات، بل أصبحت التحديات أكثر تشابكًا وضربت فى عمق المبادئ التى طالما كانت أساسًا للاستقرار والانفتاح الاقتصادي. فى السنوات الأخيرة، تنامت النزعات الحمائية، وبدأت دول كبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة والصين، فى فرض تعريفات جمركية وإجراءات تقييدية خارج إطار منظمة التجارة العالمية، مما أضعف فعالية القواعد الدولية، وتقليص من قدرة المنظمة على تسوية النزاعات التجارية، هذا التراجع فى احترام القانون التجارى الدولى يعيد إلى الواجهة منطق «القوة فوق القانون»، ويقوض مبادئ المساواة والعدالة فى النفاذ إلى الأسواق. فى موازاة ذلك، يواجه القانون التجارى الدولى تحديًا أكثر تعقيدًا تمثل فى التحول الرقمى وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فالنظام القانونى الذى صمم لتنظيم حركة البضائع والخدمات الملموسة، بات اليوم مطالبًا بتنظيم تدفقات البيانات، والخوارزميات، والعقود الذكية، والمنتجات الرقمية غير الملموسة، لم يعد الذكاء الاصطناعى مجرد أداة تقنية، بل أصبح لاعبًا مؤثرًا فى العملية القانونية، يمكنه استخدام التحليل التنبؤى للنزاعات، وفحص ملايين الأحكام السابقة، وتقديم بيانات دقيقة تدعم عمليات التحكيم وصياغة الاستراتيجيات القانونية للدول والشركات. ومع دخول تقنيات ال «بلوكشين» والعقود الذكية حيز التنفيذ، أصبح بالإمكان مراقبة الالتزام بالاتفاقيات التجارية وتحليل سلاسل التوريد فى الزمن الفعلي، مما أحدث تغييرًا جوهريًا فى طريقة فهم وإنفاذ القانون التجارى الدولى لكن فى الوقت نفسه، برزت تحديات جديدة، أهمها احتكار الدول المتقدمة للبنية التحتية الرقمية، ما خلق «فجوة رقمية» متنامية تهدد بعدالة النظام التجارى العالمى ، فقد أصبح ميزان القوى لا يقاس فقط بالقدرة الإنتاجية أو النفوذ الاقتصادي، بل أيضًا بالتحكم فى تدفقات البيانات والخوارزميات. فى ظل هذا المشهد المعقد، تتحرك مصر بثبات كلاعب إقليمى يسعى لتحديث بنيته القانونية والاقتصادية بما يتماشى مع متطلبات العصر الرقمى ، فقد بدأت الحكومة فى وضع أطر تنظيمية لتقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تنفيذ استراتيجيات رقمية تشجع على الاستثمار فى الاقتصاد التكنولوجى ومضاعفة الصادرات الرقمية ، كما تشارك مصر من خلال عضويتها فى منظمة التجارة العالمية والاتحاد الإفريقى فى الجهود الدولية لوضع قواعد عادلة لتجارة البيانات، توازن بين حرية المعلومات وحماية السيادة الوطنية والحقوق الرقمية.. اليوم، أصبح من الضرورى إعادة النظر فى قواعد التجارة الدولية، وتوسيع آلياتها لتواكب عالمًا يتغير بسرعة تفوق النصوص.. فالمستقبل الرقمى يفرض واقعًا جديدًا لا بد من التعاطى معه بقوانين أكثر شمولًا، تضمن التوازن والعدالة، وتشرك الدول النامية فى صياغة نظام تجارى عالمى جديد أكثر اتزانًا.. وبينما تتصارع القوى الكبرى على رسم ملامح المرحلة القادمة، تبرز فرصة أمام دول مثل مصر لتكون جزءًا فاعلًا من هذا التحول .