حمدى حامد هل يصدق العقل أن يُقتل إنسان لأنه جائع؟ أن يتحول توزيع الطعام إلى خطر، والمساعدات إلى أداة موت؟! يُقتل الإنسان فى غزة مرتين: مرة لأنه جائع، ومرة لأنه حاول أن يُشبع جوعه. ومن خلف الشاشات يراقب العالم مشاهد المجاعة المتعمدة، ويهز رأسه بأسى، بل يصفق لها، وكأن ما يحدث فيلم وثائقى من حقبة غابرة، لا جريمة إبادة ترتكب أمام عيون مفتوحة وقلوب عمياء، حيث يتسابق الأطفال والرجال والنساء خلف صناديق الغذاء، فلا يظفرون إلا برصاصة، أو دهس مدرعة أو جرافة، وكأنهم ارتكبوا جرمًا بمحاولتهم النجاة من براثن الجوع الكافر. آلاف الأطفال تُحاصر أجسادهم الضئيلة بين الموت البطيء بنقص الغذاء والموت السريع بصاروخ أو قذيفة أو رصاصة.. ففى غزة فقط أصبح الحصول على كيس دقيق يساوى الحياة نفسها، لدرجة أن رأينا على الشاشات من سقط شهيدًا وهو يطارد كيس دقيق وحُمل إلى المستشفى وغبار الدقيق يغطى جسده.. وآخر يدخل المستشفى وهو يعرج على قدمه التى تنزف من الإصابة، بينما لم يفرط فى كيس الطحين الذى كان يحمله على كتفه! المفارقة العجيبة أن هذا يحدث فى زمن تدّعى فيه الدول الكبرى أنها حامية حقوق الإنسان، بينما تقف مكتوفة الأيدى أمام أكثر جرائم العصر فظاعة حين يُقتل الأطفال جوعًا، وتتحول المساعدات إلى أدوات قتل.. والمفارقة الأعجب أنه بينما العالم يتفرج بدم بارد على حرب التجويع والإبادة للأطفال والنساء والعجائز، نجد القتلة أنفسهم لا يتورعون عن نشر حصاد جريمتهم -ولا تتعجب فمن أمن العقاب أساء الأدب- فقد قالت صحيفة هآرتس العبرية إن حصيلة من قتلوا بهجمات إسرائيلية أو توفوا نتيجة الآثار غير المباشرة للحرب على غزة منذ 7 أكتوبر 2023 اقتربت من عتبة 100 ألف فلسطينى. ما يحدث فى غزة ليس حربًا، بل مجزرة، وجريمة إبادة مكتملة الأركان، تُرتكب ببطء أمام كاميرات العالم، والمجرمون ليسوا فقط من ضغطوا على الزناد، بل أيضًا من أغلقوا أفواههم، ومن أداروا وجوههم، ومن حسبوا المساعدات أغلى من الأرواح، وسيظل العار يلاحق كل من رأى وسكت، وكل من تفرج على إنسان يُقتل وهو يمد يده ليحصل على رغيف خبز أو حفنة دقيق!