ليست حربًا، بل محرقة.. ليست معركةً، بل جريمة مستمرة تُرتكب على الهواء مباشرة.. ما جرى وما يزال يجرى فى غزة بعد 537 يومًا من العدوان الإسرائيلى، لا يمكن وصفه إلا بأنه الفصل الأكثر فظاعةً فى كتاب العار الإنسانى. فى غزة، لا يُولد الأطفال كى يعيشوا، بل ليُدفنوا فهناك 274 رضيعًا لم تُكتب لهم الحياة إلا دقائق قبل أن تبتلعهم نيران القصف و876 طفلًا أُعدموا قبل أن يختبروا المشى، أو ينطقوا كلماتهم الأولى، و17 آخرين ماتوا من البرد فى خيام النزوح، بينما 52 طفلًا لفظوا أنفاسهم الأخيرة جوعًا. هذه ليست أرقامًا بل جثثٌ صغيرة، ملامحها لم تكتمل، تحوّلت إلى رماد تحت أنقاض البيوت، بينما فى ركام المنازل 11.200 ألف مفقود (70% منهم من الأطفال والنساء)، تم محو وجودهم كأنهم لم يكونوا يومًا بين الأحياء. أما من نجا من المقصلة، فوقع فى قبضة السجن؛ هناك 1055 طفلاً اعتقلوا بعضهم لا يتجاوز العاشرة، يحتجز الاحتلال منهم حتى اليوم 350 طفلاً. اليتم فى القطاع طال 39 ألفًا منهم 17 ألفًا فقدوا الأب والأم معًا.. ليس يُتمًا، بل اجتثاث للأُسر، واقتلاعٌ لخط النسب الفلسطينى من جذوره. فى مستشفيات الموت الصامت 7700 رضيع على حافة الهلاك، لا حاضنات، لا أدوية، لا كهرباء.. ليست حربًا على المقاومة، بل إبادة صامتة ضد الأمل. ثم تأتى المجاعة، ليست كتهديد، بل كواقع مُر، 1.95 مليون إنسان يعانون من انعدام الأمن الغذائى، و345 ألفًا دخلوا المرحلة الكارثية، مرحلة ما قبل الموت.. ولأن الحرب لا تكتفى بالقتل، فإنها تنقضّ على العقول؛ أباد الاحتلال 111 مدرسة حكومية، و241 مدرسة دُمّرت جزئيًا، و89 مدرسة تابعة للأونروا طالتها القذائف والتخريب، وكأن جيلاً كاملًا حُكم عليه بالجهل. لو كانت الأمم تُقاس بضمائرها، لكنا فى ذيل الحضارات بل خارجها تمامًا؛ نتقن فنّ الصمت حين يصرخ الدم، ونتعايش مع خيبتنا فى زمن المجازر.. عارٌ لا يغسله الزمن، ولا يغفره من ارتقوا تحت الركام أو تطايرت أجسادهم إلى السماء «أشلاء»!