في قلب صعيد مصر، حيث يتنفس الحجر عبق الحضارة، استعادت مدينة أتريبس الأثرية بسوهاج إحدى جواهرها التاريخية، بعد أن أُسدل الستار على مشروع ترميم وصيانة "مقبرة الأخوين" بنجاح. هذه المقبرة، التي تعود إلى القرن الثاني الميلادي، عادت لتبوح بأسرارها لزوارها من جديد، ضمن خطة طموحة لإحياء المواقع الأثرية وتعزيز السياحة الثقافية في صعيد مصر، في مشهد يُجسد التقاء الماضي بالحاضر في لوحة متكاملة من العراقة والجهود الوطنية الواعية. ◄ مشروع ترميم يعيد الحياة لمقبرة نادرة شهدت مدينة أتريبس الأثرية بنجع الشيخ حمد غرب مدينة سوهاج، الانتهاء من مشروع ترميم وصيانة مقبرة "الأخوين" الفريدة من نوعها، وذلك بعد عام كامل من العمل المتواصل والدقيق، نفذه فريق من المرممين المصريين المتخصصين، تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار. يهدف المشروع إلى إعادة دمج هذه المقبرة المميزة ضمن مسار الزيارة السياحية الثقافية، لما لها من أهمية تاريخية وفنية، وما تمثّله من ملامح الحياة والطقوس الجنائزية خلال العصر الروماني في مصر. ◄ دعم وزاري وجهود ميدانية أكد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، أن الوزارة تولي ملف ترميم وتطوير المواقع الأثرية اهتمامًا بالغًا، لما يمثله من أهمية في الحفاظ على الهوية الثقافية، وتوسيع دائرة المزارات الأثرية. كما أشار إلى أن هذه الجهود تُسهم في تنمية المجتمعات المحلية المحيطة وتعزيز الاقتصاد القائم على السياحة، خاصة في صعيد مصر الغني بتراثه. ومن جانبه، عبّر الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، عن فخره بفريق العمل الذي أنجز الترميم باحترافية، مشيرًا إلى أن المشروع يُعد نموذجًا لتكامل العمل الوطني في صون التراث وتوظيفه في التعليم والتوعية والتنمية السياحية المستدامة. ◄ تفاصيل الترميم وأهم ما تم إنجازه أوضح محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية، أن الترميم شمل الحجرة الأمامية وحجرة الدفن، حيث جرى توثيق الحالة الأصلية للمقبرة ورصد مظاهر التلف، ثم تطبيق منهج علمي دقيق في أعمال الصيانة. وتابعت الدكتورة منال الغنام، رئيس الإدارة المركزية للصيانة والترميم، أن الفريق استخدم تقنيات تنظيف ميكانيكية وكيميائية للجدران والسقف، مع تقوية طبقات الملاط والألوان، وترميم الأجزاء المتضررة بمواد متوافقة مع بيئة الأثر. ◄ المقبرة: تحفة معمارية وزخرفية نادرة تُعرف المقبرة باسم "مقبرة الأخوين" أو "مقبرة البروج"، وتتميّز بتصميمها غير المألوف الذي يضم حجرة مربعة وأخرى مثلثة الشكل للدفن، وتحتوي على كوة مستطيلة في الجدار الغربي. تعود المقبرة إلى القرن الثاني الميلادي، وتخص الشقيقين "إيب باماني" و"با محيت"، ابني "حور نفر" و"تاشريت حور سجم". اقرأ أيضا| تعود إلى الحياة.. مدينة لم تعرفها الأقصر ما يُميز المقبرة هو الزخارف النادرة المنفذة بالرسم الملون على الملاط، حيث يظهر في السقف رسم فلكي لبُرجين، يرمز كل منهما إلى أحد الأخوين، وهو ما أعطى المقبرة اسمها. كما تنتشر مناظر جنائزية مدهشة على الجدران والسقف وأرضية كوة الدفن، ما يجعلها واحدة من أندر المقابر المكتشفة في تلك الفترة. ◄ توثيق علمي منذ أكثر من قرن تم اكتشاف المقبرة قبل أكثر من 150 عامًا، وقد وثّقها عالم الآثار البريطاني الشهير وليم فلندرز بيتري خلال موسم حفرياته في 1906-1907، حيث قام بتسجيل مناظرها ورسم تفاصيلها في تقارير علمية نشرت في وقت لاحق، مما ساهم في إدراجها ضمن خرائط التراث الأثري لمصر. تُعد أتريبس من أبرز المدن الأثرية في صعيد مصر، وتقع ضمن حدود الإقليم التاسع من أقاليم مصر العليا. تتميز المدينة بكونها نموذجًا متكاملًا للحياة في نهاية العصر البطلمي وبداية العصر الروماني، وتضم معابد، مقابر، ورشًا صناعية، منشآت سكنية، ديرًا للراهبات، قلايات، وكنيسة من القرن السادس الميلادي. كما تعد أحد المراكز الأولى لبداية الرهبنة في مصر، ما يمنحها طابعًا تاريخيًا وروحيًا فريدًا. ◄ الأثر في قلب السياحة إعادة افتتاح مقبرة الأخوين يشكل خطوة محورية في تعزيز السياحة الثقافية في سوهاج، وربط الزائرين بتاريخ غني لا يزال ينبض بالحياة رغم مرور القرون. وضمن رؤية وزارة السياحة والآثار، ستكون هذه المقبرة بداية لسلسلة من المزارات الجديدة التي تضع صعيد مصر في قلب الخريطة السياحية المصرية والدولية، وتمنح الزائرين تجربة استثنائية مفعمة بسحر الماضي وعمق الانتماء.