تم تصوير الأفلام بشكل معتمد على عدد من فنون الكتابة والتصوير والإخراج وغيرها، إلا أن هناك فنا آخر مرتبط بها، يظهر على الشاشة، وهو «الأفيش»، تلك اللافتات الدعائية التي داعبت خيال واسع النطاق، وكان التصميم المباشر لأفلامها، من خلال تقديم خلاصاتها ومواطنها القديمة، ونفِّذت على أيدى رسامين موهبين، نادرًا ما يؤثر بشكل فعال، على الرغم من أنها تشكل جانبًا مميزًا من مشهدى لشوارعنا، وعكست أعمال الكثير من المجتمع. ◄ فاسيليو راغب وعبدالرحمن أهم فنانى الجيل الأول ◄ الأخوان «شاكر وعنانى» والفيومى تشكيليون قدموا أفيشات.. ■ أفيش أحمر شفايف بريشة الفنان الرائد جسور عرفت مصر أول عرض سينمائي في يناير من عام 1896 بمقهى «زواني» بالإسكندرية، بعد شهر من أول عرض على مستوى العالم في باريس. وبدأ المصريون ارتياد دور العرض منذ مطلع القرن العشرين، زمن السينما الصامتة، كما تم إنتاج أفلام مصرية منذ العشرينيات ومنها «برسوم يبحث عن وظيفة» (1923) لمحمد بيومى، وهو فيلم كوميدى اجتماعى قصير و«ليلى» (1927) لعزيزة أمير، الذى يعتبر أول فيلم سينمائى طويل. وكان الأفيش هو أهم وسيلة للدعاية، وأخذت فكرته من هوليوود. ■ أفيش باب الحديد بتوقيع ستيماتوس فاسيليو ◄ البداية عالميا بدأ الأفيش مع المسرح. ويرجح أن أول أفيش سينمائى ظهر مع فيلم «رحلة إلى القمر» عام 1902. وخلال العصر الذهبى لهوليود فى الثلاثينيات ازداد الاهتمام بالأفيشات، وشهدت الستينيات دمج الرسم بالصور الفوتوغرافية. وفى مصر كان تأثر البدايات بالأوروبيين، خصوصًا فرنسا وإيطاليا. وكلمة «أفيش» فرنسية، وتعنى ملصقا. وبدأ هذا الفن فى مصر على أيدى رسامى ومصورى فوتوغرفيا يونانيين. وكان الخواجة «نيكولا» أول من عمل به من خلال ورشته للدعاية والإعلان بالإسكندرية، وتخرج على يديه أجيال من الفنانين، وفقا لمذكرات المخرج محمد كريم. كذلك اشتهر من اليونانيين «استماتوس فاسيليو» الذى وُلد عام 1920 فى عزبة النخل بالقاهرة. ■ أفيش فيلم إغرء من مقتنيات مكرم سلامة واتجه للفن بتشجيع من والده رسام المناظر الطبيعية، وأيقونات الكنائس. وكان «استماتوس» يعمل بالأهرام فى الثلاثينيات، واستمر فى رسم الأفيشات حتى تطوع فى جيش بلاده خلال الحرب العالمية الثانية. وبعد الحرب استقر فى روما لعامين، قبل أن يعود إلى مصر عام 47. وواصل العمل فى رسم الأفيش حتى غادر مصر عام 63. ■ أفيش فيلم الكيت كات للفنان إيهاب شاكر وكان يرسم أفيشاته ويطبعها بنفسه منذ فتح مكتبه الخاص فى شارع أحمد عرابى بالقاهرة، ومن أعماله «الهوى والشباب» و«لحن السعادة» و«ليلة من عمرى» و«وا إسلاماه» و«بين إيديك» و«المتهم» و«مفيش تفاهم» و«إسماعيل ياسين فى بيت الأشباح»، و«موعد مع السعادة»، و«قيس وليلى»، و«الخطايا» و«نهر الحب»، و«الخرساء».. وقام برسم أفيشات خمسة أفلام يونانية نُفذت فى مصر، وتعتبر من كلاسيكيات السينما اليونانية. وبسبب حنينه إلى مصر عاد مجددا عام 1984 وأقام معرضا لأفيشاته فى النادى اليونانى بميدان طلعت حرب، ورحل عام 1999. ■ أفيش فيلم موعد على العشاء للفنان جسور ◄ التمصير بدأ الأفيش يدويا وبأحجام صغيرة حوالى (60×90 سم). ومع افتتاح استوديو مصر فى الثلاثينيات، وانتشار شركات الإنتاج بالقاهرة، انتقلت صناعة الأفيش من الإسكندرية إلى العاصمة. وكان الرسام يشاهد الفيلم قبل تصميم «الأفيش» ليعبر عن عالمه وأجوائه ومضمونه، مستخدما الإثارة والتشويق لتحقيق الجانب الدعائى. ■ أفيش للفنان جسور وسرعان ما دخل المصريون إلى عالم صناعة الأفيش. ويعتبر الفنانان «راغب»، «عبد الرحمن» أول مصريين يدخلان المجال. وكلاهما تعلم الفن من اليونانيين. رسم «راغب» أفيشات أفلام مهمة مثل «يحيا الحب»، و«شاطئ الغرام»، و«قطار الليل»، و«سلو قلبى». ■ الحب الخالد أفيش للفنان جسور ورسم «عبدالرحمن» أفيشات «الجريمة والعقاب»، و«النمرود»، و«قلبى يهواك»، و«الهاربة»، و«ثمن الحرية»، و«غصن الزيتون»، و«الأشقياء الثلاثة»، وفقا لكتاب «فن الأفيش فى السينما المصرية» لمؤلفه سامح فتحى. ويمكن النظر إلى بدايات الأفيش فى مصر كشاهد على أحوال المجتمع المصرى فى تلك الفترة. ■ خلي بالك من زوزو بريشة الفنان مراد ◄ العصر الذهبي دخل فن الأفيش عصره الذهبي في الأربعينيات واستمر طوال العقود التالية. ويعتبر الفنان «جسور» أحد أهم فنانى تلك الحقبة، واسمه الحقيقى حسن مظهر. وهو خريج كلية الفنون الجميلة، وتتلمذ فى فن الأفيش على يد فنان الجيل الأول «راغب». ومن أشهر الأفلام التى رسمها «أحمر شفايف»، «بيومى أفندى»، «أنا الماضى»، «المنزل رقم 13»، «ليالى الحب»، «سمارة»، «السفيرة عزيزة»، «ثورة اليمن»، «وكالة البلح»، «دائرة الانتقام» و«المجد» و«لقاء فى الغروب»، و«بحبوح أفندى»، و«بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و»السكرية». ■ كتاب الأفيش في السينما المصرية والعربية وتميز برسم الأشخاص بطريقة تتجاوز مجرد التصوير لإبراز المشاعر الداخلية وروح الشخصية. كما جمع عناصر متناقضة فى مساحة واحدة ببراعة، مما جعل أعماله تمثل مدرسة خاصة فى رسم الأفيش. كذلك برز الفنان «محمد عبد العزيز» الذى بدأ كخطاط، وتعلم الرسم، وعمل مع «بابلايزيان» و«ديمترى» اليونانيين فى مجال الإعلانات، ثم مع «عبد الحميد شهاب» فى مجال الأفيش. وكان يهتم بمساحات الخط لإجادته له. وبدأ بالتنفيذ لتصميمات الآخرين قبل أن يصبح أحد أهم مصممى الأفيش فى مصر. وبلغت ذروة عطائه فى الستينيات، حيث كانت الدولة تنتج ما يقارب 70 فيلما فى السنة. ■ الفنان جسور ويعتبر رائد التيار الواقعى فى فنه، وكان مجددا، فى أفيش فيلم «الغريب» ليحيى شاهين، كما أبدع فى أفيش «الشموع السوداء»، وعمل مع يوسف شاهين فى فيلم واحد هو «فجر يوم جديد» ويرجح البعض أنه لم يكرر التجربة بسبب تدخلات المخرج. ■ ليلى أول فيلم مصري طويل زمن السينما الصامتة ومن مميزات أسلوبه أنه كان يترك مساحات بيضاء لتكملها العين. ويعتبر الفنان «وهيب فهمى» أحد أهم كبار الفنانين فى المرحلة المعتمدة على الرسم اليدوى وأتقن تنفيذ الأفيش على الزنك. ونفذ أفيشات أفلام مثل «هاربة من الحياة» و«الحقيقة العارية» و«ميرامار» وعرف عنه العمل بتفانٍ. كذلك برز الفنان «أنور على» خلال الفترة من السبعينيات إلى التسعينيات، فى أفيشات مثل «الناصر صلاح الدين»، و«الهلفوت»، و«إعدام ميت»، و«الوحل»، و«السلخانة»، و«التخشيبة»، و«الهروب»، وغيرها. وكان بارعا فى التعبير عن طبيعة العمل. ■ مراتي مدير عام للفنان عدلي وتزامن معه الفنان «مرتضى أنيس» الذى كان تلميذا لعبد العزيز، وأبدع أفيشات أفلام «السادة الرجال»، و«ميت فل»، و«اللعب مع الكبار»، و«رسالة إلى الوالى»، و«الباشا» وحصل على أكثر من جائزة عن أفضل أفيش سينمائى. وتميز بأن أفيشاته تثير التساؤل. وهو أيضا تتلمذ على يد «محمد عبد العزيز»، وهو من أكثر رسامى الأفيش المصريين غزارة (أكثر من 400 أفيش). ولا يمكن إغفال أسماء مهمة مثل: مصطفى مراد، ومصطفى درويش، وأحمد فؤاد، ومرسيل، وعزيز، ممن وقعوا عددا من أروع أفيشات السينما المصرية. ■ مراتي مدير عام للفنان عدلي وكذلك «محمد مفتاح» صاحب أفيش «لحن الوفاء»، أول بطولة لشادية وعبد الحليم حافظ، الذى ساهم فى نجاح الفيلم.. وهناك أيضا «محمود خليل» صاحب أفيشى «هذا الرجل أحبه» و«أجازة نصف السنة»، وظهر فيهما تأثير عمله كرسام كاريكاتير. ■ من أرشيف الراحل مكرم سلامة ◄ تشكيليون بعد الفنان جسور، يمكن رصد تيار فى صناعة الأفيش اعتمد على فنانين تشكيليين، لهم أعمالهم الفنية ومعارضهم، وهو ما منح أعمالهم صبغة خاصة ولغة بصرية مختلفة. أحد هؤلاء هو الفنان الكبير الراحل «ناجى شاكر» الذى كان أستاذا بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، وهو مصمم عرائس الليلة الكبيرة الشهيرة. ■ من أرشيف مكرم سلامة أفيش معبد الحب ورسم أفيشات أفلام مهمة مثل «إسكندرية ليه؟» يوسف شاهين. وشاركه الشغف بالأفيش شقيقه الفنان أيضًا «إيهاب شاكر» الذي رسم أفيش فيلم «الكيت كات» للمخرج داود عبد السيد، وفاز به كامل أفيش عام 2001. وكذلك عمل الفنان عمر الفيومى مع الفنان حسن جسور بورشة «مطبع السينما العربية» بعد تخرجه مباشرة في كلية الفنون الجميلة. ■ أعمال من الفنون جسور وقام برسم أفيشات «العذراء والشعر الأبيض»، و»ثلاثة على الطريق»، و«المجهول»، وفضل لاحقاً، التفرغ للفن التشكيلي، كذلك التشكيل صلاح عناني، الذي استعان به يوسف شاهين لأجل أفيش «اسكندرية كمان وكمان»، أما المخرج «رضوان الكاشف»، فاستعان بالفنان «محمد نادى» لأجل أفيش فيلم «ليه يابنفسج». ■ من افيشات اليوناني فاسيليو واو «محمد خان» فى فيلمه «موعد على الربوع» الربنان «حسن جسور» نجل الفنان «جسور». كما رسم الفنان «مصطفى حسين» أفيشات عدد محدود من الأفلام مثل «سوبر ماركت» «إلى المأذون يا حبيبى» و«شيلنى واشيلك». ◄ مرحلة جديدة ومع رحيل الرواد الأوائل بداية الأفيش يدوياً، حلت الصورة التجريبية قبل أن يسود التصميم الرقمي فى السينما الحديثة مثل «الجزيرة» و«عمارة يعقوبيان» و«ليلة البيبى دول». كماانت صناعة من ظاهرة الافيش المقتبسة عن افيشات عالمية، كنوع من الاستسهال في بعض الحالات. ■ من مقتنيات مكرم السلامة وهناك جهود مشكورة لتوثيق توحيد أفيشات السينما المصرية قام بها البعض مثل الراحل مكرم سلامة، والذي جمع أكثر من 2000 أفيش، والناقد محمود قاسم بكتابه «أفيش السينما المصرية»، والباحث سامح فتحى بكتابه «فن الأفيش فى السينما المصرية» ورسالة ماجستير للباحثين « مينا أشرف مقارم فهي بكلية الآداب، جامعة عين شمس عن أفيش للسينما المصريين، وغيرهم. إلا أن الأمر يحتاج إلى جهد منظمى لكل تلك الجهود متعاونا، ويستطيع البقاء متحفا لهذا الفن الذي يزيد السينما الأهم عربيا، والتي تتكون من أجزاء هامة من الذاكرة الوطنية والشعبية.