وسط زخم غير مسبوق من التطور التكنولوجى والانتشار الكاسح لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، يبرز قلق متزايد حيال ظاهرة تراجع القيم الأخلاقية والانحدار السلوكى فى مجتمعاتنا، وهو ما يعكس بوضوح غياب الضوابط التربوية والدينية أمام طوفان الشهرة الزائفة وأنماط الحياة الخالية من المسئولية. ويؤكد د.عادل المراغي، إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية، أن قيام الحضارات وارتقاء المجتمعات مرهون بوجود منظومة قيم راسخة، مشيرًا إلى أن غياب القيم كان دومًا مقدمة لانهيار أى حضارة، فالأمانة والصدق والرحمة والتسامح والعدل وغيرها من القيم لا تنتمى لدين دون آخر، بل هى قيم إنسانية مشتركة. اقرأ أيضًا| الجامع الأزهر: الهجرة النبوية خريطة حياة للمؤمنين ويلفت النظر إلى أن الرسالات السماوية جاءت لبناء الإنسان قبل أى عمران، وهو ما يؤكده وجود أكثر من 602 آية فى القرآن تتناول القيم الأخلاقية والاجتماعية، كما أن السيرة النبوية الشريفة زاخرة بنماذج راقية فى التعامل والرحمة والرفق. ويشير إلى أن «جاذبية الأخلاق كانت الوسيلة الأولى لانتشار الإسلام، لا الجيوش أو الخطابات»، مستشهدًا بتجربة جنوب شرق آسيا التى دخلها الإسلام بفضل تجار صادقين ذوى خلق رفيع، كما أن الغرب اليوم يتعرف على الإسلام من خلال سلوك المسلمين قبل كلماتهم. من جانبه، يرى د. على الله الجمال، إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة، أن الخلل الأخلاقى أصبح ظاهرة عالمية لا تقتصر على بيئة أو فئة. ويوضح أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل باتت تروّج لأشخاص بلا مضمون، وتُقصى الرموز الفكرية والأخلاقية الحقيقية، فى غياب واضح لدور الأسرة والمدرسة فى غرس القيم. ويحذر الجمال من أن الأزمة الأخلاقية ليست مجرد شأن فردي، بل تهدد بنية المجتمعات، وتسهم فى انتشار الجريمة وانهيار الثقة والعنف المجتمعي، مطالبًا بضرورة إطلاق صحوة أخلاقية شاملة تبدأ من الذات وتمتد إلى المنظومة التربوية والإعلامية. ويختم: «النهضة الحقيقية لا تبدأ من المصانع والحقول فحسب، بل من الضمير الحي، ومن إنسان يحمل منظومة أخلاقية تؤهله لبناء وطن متماسك ومستقبل مشرق». وصدق أمير الشعراء أحمد شوقى حين قال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا.