في الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، تتجدد مشاهد التحول التاريخي الذي أعاد بناء الدولة المصرية على أسس حديثة، بعد أن أنقذها من مصير مجهول، وفتح أمامها طريقًا جديدًا نحو التنمية المستدامة في مختلف القطاعات. لم تكن الثورة مجرد لحظة سياسية، بل بداية مرحلة جديدة أعادت الاعتبار للإنسان المصري، وعلى رأسه "العامل" الذي ظل لسنوات طويلة يواجه التحديات بصبر وإصرار. وفي ظل الإصلاحات الهيكلية التي تبنّتها الدولة، انطلقت مسيرة شاملة لإنصاف الطبقة العاملة، وتهيئة بيئة قانونية واقتصادية واجتماعية تعزز من دورها كشريك أصيل في بناء الجمهورية الجديدة. كما شهد القطاع الزراعي، بدوره، نقلة نوعية تمثلت في مشروعات الاستصلاح العملاقة، وتحديث منظومة الري، وربط الزراعة بالتكنولوجيا والأسواق العالمية، وهو ما انعكس على الأمن الغذائي والعلاقات الخارجية، خاصة مع دول حوض النيل. وفي هذا السياق، أجرت «بوابة أخبار اليوم» حوارًا خاصًا مع المهندس عيد مرسال، الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ورئيس النقابة العامة للعاملين بالزراعة والري والصيد واستصلاح الأراضي، والأمين العام لاتحاد نقابات الزراعة والري بدول حوض النيل، حيث تحدث بصراحة عن ما تحقق للعمال بعد الثورة، والتغير الجذري في علاقات مصر الأفريقية، والتحديات المستقبلية، ومستقبل العمل النقابي في ظل التحولات الرقمية الكبرى.. وإلى الحوار... بعد مرور 12 عامًا على ثورة 30 يونيو، كيف تقيمون ما تحقق للعمال المصريين؟ ثورة 30 يونيو كانت نقطة تحول محورية في تاريخ مصر الحديث. لقد أعادت الدولة المصرية إلى مسارها الصحيح، وفتحت أبوابًا واسعة للإصلاح والتنمية. على صعيد العمال، كنا شاهدين على تغيرات حقيقية وجذرية. تم رفع الحد الأدنى للأجور تدريجيًا، وتحسين بيئة العمل، وتفعيل آليات التفاوض الجماعي، فضلًا عن إصدار تشريعات جديدة أنصفت العمال ووضعتهم في مكانهم الصحيح كشريك أساسي في عملية التنمية. أصبح لدينا رؤية واضحة لتعزيز الاقتصاد من خلال تمكين العنصر البشري، وبدأت برامج تدريب وتأهيل مستمرة ترفع من كفاءة العامل وتربطه بمستجدات سوق العمل. لا أبالغ إذا قلت إن العامل المصري اليوم هو شريك حقيقي في عملية بناء الدولة. ما هي المؤشرات التي تؤكد تعافي الاقتصاد وتأثيرها على سوق العمل؟ لدينا أرقام واقعية تؤكد ذلك وهي أن معدل البطالة انخفض إلى أدنى مستوياته منذ سنوات. والمشروعات القومية وفّرت ملايين فرص العمل في قطاعات متنوعة، مثل الإنشاءات والزراعة والصناعة والنقل. كذلك حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية ارتفع بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي. بالإضافة إلى أنه تم تنفيذ أكثر من 10 آلاف مشروع قومي بتكلفة تتجاوز 7 تريليونات جنيه في السنوات الماضية. كل هذه المؤشرات انعكست على العامل مباشرة، سواء من حيث فرص التوظيف أو تحسن دخل الأسرة العاملة. - كيف أثّرت مشروعات البنية التحتية على العمل والإنتاج؟ - البنية التحتية هي الأساس لأي تنمية مستدامة. تطوير شبكة الطرق، وإنشاء محاور جديدة، وتحديث شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، كلها عوامل ساهمت في خلق بيئة عمل جاذبة للمستثمرين، وسهلت حركة البضائع والعمالة. اليوم، يستطيع العامل أن ينتقل من منزله إلى مصنعه أو أرضه الزراعية في وقت أقل وبتكلفة أقل. كما أصبحت المناطق الصناعية الجديدة مجهزة بشكل يليق بالتحول نحو اقتصاد إنتاجي متكامل. - ماذا عن المكاسب النقابية والاجتماعية التي تحققت بعد الثورة؟ - لأول مرة بعد عقود، أصبح للنقابات دورا حقيقيا في صناعة القرار.. حصلنا على استقلالية حقيقية في العمل النقابي، وتم تنظيم انتخابات نزيهة، وجرى فتح حوار مستمر بين ممثلي العمال والحكومة. أما من ناحية الدعم الاجتماعي، فشهدنا توسعًا كبيرًا في برامج الحماية مثل "تكافل وكرامة"، وتأمين صحي شامل للعمالة غير المنتظمة، وتحسين المعاشات، وإنشاء قواعد بيانات لتسجيل العمالة اليومية وضمان حقوقها. - كيف تقيمون جهود الدولة في حماية العمال داخل مصر وخارجها؟ - الدولة المصرية أصبحت تولي اهتمامًا كبيرًا لحماية حقوق أبنائها العاملين بالخارج، من خلال دعم السفارات والملحقيات العمالية، وتوفير خدمات قانونية ودبلوماسية عند الحاجة، والتدخل في حالات الطوارئ. داخليًا، تعمل وزارة العمل على تنظيم سوق العمل بشكل أكثر شفافية، ومتابعة التزام أصحاب الأعمال بالقوانين، وتفعيل دور مكاتب السلامة المهنية، وضمان شروط عمل لائقة. - وهل ترى أن العامل المصري أصبح مؤهلًا للمنافسة في سوق العمل؟ - نعم وبقوة.. هناك طفرة في برامج التدريب المهني، بالتعاون مع الجهات الدولية والمحلية، وتشجيع التعليم الفني، وإنشاء مدارس تكنولوجية تطبيقية. أيضًا تم توقيع اتفاقيات لفتح أسواق عمل خارجية في دول الخليج وأفريقيا وأوروبا، مع التركيز على المهن الفنية المطلوبة عالميًا. اليوم، العامل المصري لم يعد مجرد منفذ للأوامر، بل عنصر فعال يمتلك المهارة والانضباط. - ما تقييمكم للتعديلات التشريعية في قانون العمل؟ - القانون الجديد كان مطلبًا حيويًا لسنوات طويلة، وجاء ليحقق التوازن بين الحقوق والواجبات. لأول مرة نرى مواد واضحة لضمان التأمينات الصحية والاجتماعية، وضوابط لساعات العمل والإجازات، وتشجيع الحوار الاجتماعي. كما منح القانون حماية خاصة لفئات معينة مثل ذوي الهمم، والعاملات الحوامل، والعمالة المؤقتة، وهو ما يعكس توجه الدولة نحو العدالة الشاملة في بيئة العمل. - كيف ترون انعكاس الثورة على الصناعة والزراعة؟ - الصناعة شهدت تطورًا مذهلًا. تم إنشاء آلاف المصانع والمدن الصناعية مثل مدينة الروبيكي للجلود، ومدينة الدواء، ومجمعات صناعية في الصعيد والدلتا. في الزراعة، توسعت الدولة في استصلاح الأراضي بمشروعات مثل "توشكى"، و"مستقبل مصر"، و"الدلتا الجديدة". كذلك تم تحديث منظومة الري والتحول من الري بالغمر إلى الري الحديث، ما ساهم في مضاعفة الإنتاج وتحقيق الأمن الغذائي. - ما العلاقة بين ثورة 30 يونيو ورؤية مصر 2030؟ - لا يمكن الحديث عن رؤية 2030 دون الحديث عن ثورة 30 يونيو. الثورة أنقذت الدولة من الانهيار، وأعادت سيادة القانون، ووضعت أسس دولة مدنية حديثة. من هنا، انطلقت رؤية طموحة شاملة لكل المجالات: الاقتصاد، التعليم، الصحة، البيئة، الحوكمة، وحقوق الإنسان. هذه الرؤية هي نتيجة مباشرة للاستقرار الذي وفّرته الثورة، ولإرادة شعبية قررت أن تغير واقعها وتبني المستقبل. ما أبرز المشروعات التي تمثل تجسيدًا عمليًا لرؤية مصر 2030؟ هناك من هذه المشروعات العملاقة التي تحققت بعد ثورة 30 يونيو ومن بينها ، العاصمة الإدارية الجديدة كمشروع للتوسع الحضري وتنظيم الإدارة وكذلك مدينة العلمين الجديدة كنموذج للتنمية الساحلية ومشروع «حياة كريمة» الذي يعيد رسم الخريطة الاجتماعية في الريف وتطوير قطاع الكهرباء والطاقة والاعتماد على الطاقة المتجددة ومبادرة 100 مليون صحة للرعاية الصحية المجانية؛ كل هذه المشروعات تترجم الأهداف الاستراتيجية إلى واقع ملموس. - إلى أين وصلت مصر في تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية؟ تقدمنا خطوات كبيرة في تأمين السلع الاستراتيجية. أصبحنا قريبين من الاكتفاء الذاتي في الألبان، الدواجن، الأسماك، وبعض المحاصيل مثل القمح والذرة، مع تنامي الصادرات الزراعية لتصل إلى أكثر من 6 ملايين طن سنويًا. كيف ترى تطور علاقات مصر بدول حوض النيل؟ - لقد أعادت الثورة لمصر دورها الريادي في أفريقيا. انتقلنا من الانكماش إلى الانفتاح. بدأنا مشروعات في البنية التحتية، محطات المياه، المستشفيات، وحفر الآبار في دول مثل أوغندا وتنزانيا وكينيا ، و قمنا بإنشاء مزارع نموذجية، وبرامج تدريب، ونقلنا خبراتنا الزراعية لدول الجوار. نحن لا نتعامل بمنطق الهيمنة، بل منطق "التنمية من أجل الجميع". وأخيرا ما رؤيتكم لمستقبل العمال في ضوء هذه الإنجازات؟ نحن في بداية طريق طويل. هناك تحديات قادمة مثل الثورة الصناعية الرابعة، التحول الرقمي، الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد الأخضر. لكننا نمتلك إرادة سياسية قوية، وقاعدة عمالية صلبة. وأؤكد لك أن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر سيبقى مدافعًا عن حقوق العمال، شريكًا في الحوار الوطني، وحارسًا لمكتسبات ثورة 30 يونيو التي لم تكن مجرد لحظة سياسية، بل كانت ولادة جديدة لدولة عصرية، والعامل المصري كان ولا يزال حجر الزاوية فيها. اقرأ أيضا| «قوى عاملة النواب» يهنىء الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيو