لا تزال دماء الأبرياء تسيل على الأسفلت في صمت موجع، ولا تزال الأرواح تُزهق على طرق لا تعرف من معايير الأمان شيئاً ، مأساة جديدة وقعت على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، حيث تحطم ميكروباص يقل عددًا من العاملات إثر تصادم مروّع مع سيارة نقل ثقيل تريلا، ما أسفر عن وفاة 19 شخصًا، منهم 18 فتاة في عمر الزهور من قرية السنابسة ، في مشهد يختزل الإهمال وغياب الرؤية. الحادث لم يكن الأول من نوعه، وربما لن يكون الأخير، ما لم يتم التعامل مع هذه الكوارث بمنطق الجراحة العاجلة لا المسكنات المؤقتة، فالطريق الذي يربط مدينة السادات بمركز أشمون يفتقر لأدنى مقومات السلامة، حيث لا إنارة، لا مطبات، ولا إشارات تحذيرية. المثير في الأمر أن هذا الطريق يخدم آلاف العاملين يوميًا، ويُعد شريانًا حيويًا لربط مناطق صناعية وزراعية بمراكز المحافظات، ورغم ذلك يبدو وكأنه خارج حسابات التخطيط والرقابة. المأساة لا تقف عند حدود الدماء المسفوكة، بل تتجاوزها إلى تساؤلات مشروعة حول أولويات الحكومة، وجدول أعمالها. حسنًا فعلت الدولة بصرف تعويضات عاجلة لأسر الضحايا، بقيمة 200 ألف جنيه، إضافة إلى الدعم النفسي والمادي من وزارة التضامن، لكن الحقيقة المُرة أن التعويض لا يُعيد الحياة، ولا يُنقذ ما يمكن إنقاذه في المرات القادمة. ويبقى أن ما حدث على طريق السادات – أشمون ليس مجرد حادث عارض، بل نتيجة طبيعية لتراكم الإهمال، وغياب المساءلة، والارتباك الحكومي، والمطلوب الآن ليس مجرد ردود أفعال آنية، بل خطة عمل صارمة، تُوقف نزيف الأسفلت وتعيد للناس شعورهم بالأمان. فهل ننتظر كارثة أخرى حتى نتحرك ؟