فى يوم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، كان العالم يدرك أن المذبحة الإسرائيلية مستمرة فى غزة، وأن حصيلة الشهداء فى هذا اليوم فقط بلغت 86 شهيدا منهم 56 سقطوا وهم ينتظرون المساعدات!! وكان العدو الإسرائيلى يتلقى ضربة موجعة باحتراق سبعة من جنوده داخل مدرعة استهدفها رجال المقاومة فى خان يونس، وكانت الأرقام تقول إن حصيلة الشهداء فى غزة أثناء انشغال العالم بالعدوان الإسرائيلى- الأمريكى على إيران فاقت الثمانمائة شهيد أى أكثر بكثير من عدد القتلى من الطرفين الإيرانى والإسرائيلى فى حربهما القصيرة!! الرئيس ترامب يقول إن مبعوثه «ويتكوف» أبلغه أن أنباء طيبة عن غزة قد تكون قريبة «وهو أمر سمعناه مرارا قبل ذلك ولم يتحقق!!» وهناك أصوات داخل إسرائيل تعود للارتفاع مطالبة بإنهاء الحرب على غزة وتحذر من استنزاف أكبر إذا استمرت حرب الإبادة دون أهداف حقيقية إلا المزيد من الجرائم ضد الإنسانية.. وهناك داخل حزب «الليكود» نفسه من يرى أن الخروج من غزة سيعزز فرص نتنياهو وحزبه فى الفوز بالانتخابات التى يرون إجراءها مبكرا قبل أن تتآكل نتائج الحرب ضد إيران التى يرون أنها كانت لصالح إسرائيل ونتنياهو بالذات. لكن ما يجرى على الأرض يسير فى اتجاه آخر.. مواصلة حرب الإبادة وحصار التجويع فى غزة، ثم امتداد المذابح مؤخرا إلى الضفة الغربية التى ستظل هى الهدف الأول والأساسى للاطماع الإسرائيلية حيث يتم ابتلاع الأرض والتوسع فى الاستيطان والإعداد لدفن ما تبقى من اتفاق أوسلو وهو قليل جدا على كل حال. اعتداءات المستوطنين تحولت إلى عمل يومى يتم فى حماية الشرطة والجيش وتحرق فيه قرى بأكملها. وتصور اليمين الفاشى الذى يسيطر ويحكم هو أن الفرصة مواتية لحسم الأمر فى الضفة وغزة معا، وأن هذه الفرصة إذا ضاعت اليوم فلن تتكرر. يترك الرئيس الأمريكى كل ذلك جانبا ويظل حديثه عن أنباء طيبة بشأن اتفاق يحرر الرهائن»!!» ثم يفاجئ الجميع- بمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم- بالتدخل فى المحاكمة الدائرة لنتنياهو بتهم الفساد والاحتيال والرشوة واصفا الأمر بأنه «حملة شعواء على بطل عظيم» ومطالبا بإلغاء المحاكمة أو العفو عن نتنياهو»!!» ويعقد الأمر أمام الإسرائيليين حين يؤكد أن الولاياتالمتحدة هى التى أنقذت إسرائيل، وأن الولاياتالمتحدة هى التى ستنقذ نتنياهو!! وهو ما أثار جدلا واسعا على الفور داخل إسرائيل بين من يرفضون التدخل فى شأن قضائى إسرائيلي، وبين من يؤيدون العفو عن نتنياهو رغم ثبوت فساده!! ما يهمنا هنا هو تأييد ترامب بأن الولاياتالمتحدة هى من أنقذت إسرائيل وهو أمر نعرفه نحن جيدا ورأيناه فى أوضح صورة مع حرب أكتوبر المجيدة قبل أكثر من خمسين عاما، لكنه الآن يعنى الكثير حين يصدر عن رئيس أمريكا بعد الحرب على إيران، وفى ظل استمرار حرب الإبادة على شعب فلسطين والعدوان المستمر على لبنان وسوريا. إنه يعنى أن الدولة التى أنقذت إسرائيل هى صاحبة القرار وهى أيضا من تتحمل المسئولية عنه. ولعل هذا يفسر أن حديث ترامب بشأن العفو عن نتنياهو ومهاجمته للقضاء الذى يحاكمه لا يختلف عن حديثه عن حاكم كاليفورنيا وتهديده قبل أيام بالقبض عليه»!!» وزير الخارجية الإسرائيلية «ساعر» لخص الأمر حين قال: عندما يدعو رئيس الولاياتالمتحدة لإلغاء المحاكمة أو العفو، هل يستطيع أحد أن يقول إنه مخطئ؟ تمام أفندم»!!» ولكن متى يقول رئيس أمريكا لولاية إسرائيل: أوقفوا حرب الإبادة؟ ومتى يعترف بخطأ فتح أبواب التهجير القسرى للفلسطينيين بدعوته للمشروع الوهمى حول «ريفيرا الشرق الأوسط»؟! ومتى يتحدث عن «فلسطين» الشعب والوطن والدولة؟ ومتى يدرك أن الإنقاذ الحقيقى لإسرائيل لن يكون مع «سلام إبراهام»، المغشوش، وإنما مع سلام العدل الذى يضمن حقوق شعب فلسطين؟! الأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة، والجهد الأمريكى موجه -للأسف الشديد- لإنقاذ مجرم الحرب نتنياهو من السجن فى الداخل، ومن مطاردة العدالة الدولية له فى الخارج، وترجمة «الإنقاذ»، حتى الآن هى استمرار حرب الإبادة وحصار التجويع وانتظار المجهول فى منطقة لم تعد تتحمل هذه العربدة!