انتهز فريد بواسونا الفرصة للقيام برحلة جديدة إلى صحراء سيناء ودير سانت كاترين مسترشدا برغبة الفنانين الرومانسيين إلى إدراك البعد الإلهى فى الطبيعة من خلال تعليم العين فى عام 1929 كلف الملك فؤاد الأول فريد بواسونا وهو واحد من أشهر المصورين فى سويسرا وأوروبا آنذاك بإعداد كتاب تذكارى عن مصر، إذ كان يريد تقديم صورة دقيقة نابضة بالحياة عن مصر وماضيها العريق الممتد لآلاف السنين، وقد قام بواسونا وناشره بول ترومبليه بحملة تصوير فوتوغرافى كبيرة استمرت قرابة عام سافرا خلالها فى طول البلاد وعرضها بالقطارات والسيارات والقوارب والجمال وبفضل ترحيب السلطات تمكنا من الوصول إلى كافة الأماكن بما فى ذلك أماكن العبادة والمتاحف والمواقع الأثرية. وخلال تلك الرحلة قام المصوّر السويسرى بالغوص فى طبقات المجتمع فى المدن والقرى والواحات إضافة إلى تسجيل تفاصيل كثيرة متنوعة كالأسواق ودور العبادة والمناطق الأثرية وحملات التنقيب عن الآثار وغيرها، وكانت صور بواسونا تحمل مذاقا خاصا يبتعد عن الصور السياحية التقليدية ، فقد عرف بواسانا (1858-1946) خلال مسيرته المهنية التى امتدت لأكثر من خمسين عاما بتوظيف التصوير الفوتوغرافى ليس كوسيلة للتوثيق، بل أيضًا كأداة للإبداع الفني، فبعض الصور التى قدمها من خلال رحلته فى تصوير مصر تضاهى اللوحات الفنية، وقد التقط ما يقرب من 4000 صورة ظلّ معظمها غير منشور حتى يومنا هذا بينها 500 صورة للقاهرة وحدها. بعض من هذه المجموعة المدهشة تم عرضها مؤخرا من خلال معرض «مصر بعدسة فريد بواسونا - بورتريه فوتوغرافي» الذى أقيم بمعهد جوته بوسط البلد فى إطار أسبوع القاهرة للصورة، بدعم من سفارة سويسرا فى مصر وبالتعاون مع مكتبة جنيف وجامعة جنيف، وبالشراكة مع مؤسسة فوتوبيا. إذ قدم المعرض لمحة عن كتاب مصر، وكشف عن تراث فوتوغرافى غير معروف إلى حد كبير، ومع الدخول للمعرض تجد نفسك أمام بورتريه فريد بواسونا صورة لنفسه، وكأنه أراد أن يكون فى استقبال زوار المعرض بنفسه بعد كل تلك السنوات، قبل أن تشاهد جانبا من كواليس رحلات فريد بواسونا للتصوير داخل مصر ، إضافة إلى صورة لغلاف الكتاب وبعض من صفحاته وخريطة للأماكن التى زارها، وعدد من الصور الفوتوغرافية التى التقطها الفنان ومنها مثلا صورة للملك فؤاد الأول وأطفاله بقصر القبة عام 1930، وكذلك صورة للحرس الملكى أمام قصر عابدين 1929، وقد تضمنت الصور الأخرى المعروضة صورة لسوق النحاس والسجاد فى خان الخليلي، والأزهر والرفاعى ومقابر بنى حسن، وحملات التنقيب عن الآثار مع البروفسير السويسرى غوستاف جيكييه ، وقد توقفت كثيرا أمام كل صورة لاسيما صورة المعلمين والطلاب أمام مدرسة بسيوة عام 1930. وقد تم تخصيص قسم مستقل بالمعرض تحت عنوان «سيناء تأمل فى الطبيعة 1933» ، إذ تذكر الكلمة المصاحبة للمعرض أنه بعد أن شهد كتاب مصر تدشينا كبيرا فى الجمعية الجغرافية الملكية فى القاهرة، تخللته محاضرة ومعرض، انتهز فريد بواسونا الفرصة للقيام برحلة جديدة إلى صحراء سيناء ودير سانت كاترين مسترشدا برغبة الفنانين الرومانسيين إلى إدراك البعد الإلهى فى الطبيعة من خلال تعليم العين. لم يكن هذا المعرض وحده الذى قدم تجربة مغايرة فى إعادة اكتشاف مصر ومدنها عبر رؤى مختلفة من خلال الصورة وعبر فترات زمنية متباينة وبعيون فنانين مصريين وعرب وأجانب. فمن الثلاثينات بعين المصور السويسرى بواسونا إلى القاهرة فترة التسعينات بعين المصورة الفلسطينية راندا شعث حيث معرض» القاهرة 90» الذى أقيم ببيت باب اللوق بشارع الشيخ ريحان بوسط البلد، وضم 20 صورة فوتوغرافية توثق مظاهر الحياة المختلفة فى القاهرة خلال فترة التسعينيات. وقد جاء موضوع المعرض كما ذكرت شعث لأنها تعود إلى ارتباطها بفترة التسعينيات والتى مثلت قمة فترة عملها فى الصحافة، إذ عملت خلال فترة التسعينيات مصورة لوكالة الصحافة الفرنسية فى مصر وغزة وفى صحيفة الأهرام وكانت أول من شغل منصب رئيس تحرير الصور فى صحيفة الشروق المصرية، وخلال تلك الفترة شهدت عن قرب الكثير من التغيرات التى تحدث في القاهرة ورصدتها بعدستها مثل حفر مترو الأنفاق، وبناء المرحلة الثانية من كوبرى أكتوبر، كما أن المجموعة التى قدمتها ترصد الحياة فى بعض الأماكن التى لم تعد موجودة مثل المنطقة التى تقع خلف سور مجرى العيون الأثري- تضم الجيارة والسكر والليمون وحوش الغجر- وكذلك منطقة ماسبيرو التى تغير شكلها الآن. وأضافت «شعث»: «لا تعبر الصور التى اخترتها للمعرض عن النوستالجيا والحنين للتسعينيات لأن كل فترة بها الجيد والسيئ، لكننى شعرت أن فى أسبوع القاهرة للصورة أن أقدم فكرة عن القاهرة، وأننى أريد توثيق القاهرة التى أعيش فيها وأعرفها خاصة خلال تلك الفترة؛ الناس كما هى لكن التغيرات تحدث فى الأماكن والملابس وطبيعة المهن وتفاصيل الحياة اليومية وهو ما حرصت على التقاطه وتوثيقه وإظهاره فى المعرض».