ربما تستقطب إسرائيل تعاطف المجتمع الدولى عبر المبالغة فى حجم خسائر معاركها اليومية أمام إيران، لكن واقع حال جبهتها الداخلية بات قاتمًا بالفعل؛ فالملاجئ لم تعد كفيلة بحماية المستوطنين، وعجزت الدفاعات الجوية عن تحصين غالبية المؤسسات العسكرية والاستراتيجية. وبينما انشغل مقص الرقابة العسكرية فى وسائل الإعلام بالتعتيم على المشهد القاتم، تمرد الإسرائيليون على دعوات الاتزان والارتباط بالأرض، فغادروا حطام المنازل ونعيق صافرات الإنذار، واحتشدوا أمام سماسرة الهروب بلا عودة من إسرائيل. اقرأ أيضًا | الموجة ال 18.. صواريخ إيران تقصف تل أبيب الكبرى |إسرائيل تستهدف «نووى أصفهان».. وطهران تعتقل «جواسيس» «السماء مغلقة بفعل نقل أساطيل الطائرات المدنية خارج إسرائيل، فانضم مئات الإسرائيليين إلى «سماسرة» توفير طريق هروب بديل». يرفض هؤلاء الكشف عن اسمائهم فى تحقيقات صحيفة «هاآرتس»، يعترفون فقط باللجوء للهرب لعدم وجود خيار آخر. يوميًا ومن الساعة السابعة صباحًا، يتحول ميناء هرتزليا قرب تل أبيب إلى قبلة يفد إليها الهاربون؛ ورغم تكلفة تزيد على 3 آلاف دولار للفرد، ورغم ذلك، لا يعزل الكاتب إيتمار آيخنر واقع إسرائيل تحت نيران القصف الإيرانى عن نظير بدأ منذ ما يربو على عام و8 أشهر، مشيرًا إلى أن باكورة الهجوم على إسرائيل بدأت فى 7 أكتوبر 2023، فحملت معها تأثير لعبة الدومينو، التى اكتفت إسرائيل عند التعامل معها وربما قبلها بالمسكنات أو الحلول المؤقتة، فدفعت ثمنًا باهظًا، كلفها 1914 قتيلًا، وأكثر من 300 مليار شيكل (الشيكل يعادل 0.29 مقابل الدولار). وفى تقريره المنشور بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رأى الكاتب الإسرائيلى أن واقع دائرة الجبهات المحيطة بإسرائيل لا ينعزل بحال من الأحوال عن إيران، خاصة أن الأخيرة وفقًا لتصور تل أبيب تخطط لتدمير إسرائيل منذ سنوات وربما عقود، وتؤشر تقديرات موقف جنرالات الدولة العبرية إلى اعتماد خطة الدولة الفارسية على ثلاثة بنود. أولها: «استراتيجية الوكالة»، أو بالأحرى الاعتماد على وكلاء إيران فى المنطقة بما فى ذلك حزب الله، وميليشيات سورية موالية لإيران، وأخرى فى العراق، بالإضافة إلى جماعة الحوثى فى اليمن، ثانيًا: برنامج الصواريخ الباليستية، وثالثًا: البرنامج النووي؛ أما الهدف الإيرانى غير المعلن، فكان إزالة إسرائيل من على الخارطة الإقليمية بحلول عام 2040، وفقًا لتقدير الكاتب إيتمار آيخنر. وبينما لم تتوان آلة الحرب الإسرائيلية عن استهداف إيران داخل وخارج أراضيها عبر انفجارات غامضة، واغتيالات، وعمليات مستهدفة على الحدود فى إطار ما يُعرف ب«معارك ما بين الحروب»، وبينما لم تضع حرب إيران أوزارها حتى الآن، ما زال طريق الخسائر الإسرائيلية طويلًا، وهو ما ينعكس بشكل أو بآخر على معنويات جبهة إسرائيل الداخلية، ويؤثر قطعًا على أداءات المستويين السياسى والعسكري، إذ يؤكد الكاتب الإسرائيلى جاد ليؤور أن بدايات الحرب أمام إيران كلفت إسرائيل 7 مليارات شيكل، و3 مليارات أخرى نتيجة أضرار الصواريخ. وتؤكد لغة أرقام قيادة الجبهة الداخلية، تلقى صندوق التعويضات 30.735 طلب تعويض منذ بداية عملية «الأسد الصاعد»، منها 25.040 طلب تعويض عن أضرار لحقت بالمباني، و2.623 طلب عن أضرار بالمركبات، و3.006 طلب عن أضرار بالمحتويات والمعدات، فضلًا عن إجلاء 8.190 شخص من المنازل بعد تدميرها. وربما تدهورت ثقة الداخل والخارج الإسرائيلى فى حكومة تل أبيب بعد تخفيض وكالة «موديز» التصنيف الائتمانى لإسرائيل ثلاث درجات، ودرجتين من وكالات تصنيف أخرى، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، وكذلك العبء الضريبي، لتمويل تكاليف الحرب، وهو ما أعاد الانقسام الاجتماعى إلى الداخل الإسرائيلي، لا سيما مع إصرار المتشددين اليهود (الحريديم) على عدم الانضمام للخدمة فى جيش الاحتلال، ووقوف إسرائيل فعليًا أمام أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية، يصفها المراقبون فى تل أبيب ب«حلقة النار المهلكة».