لم يكن ما حدث فى ختام مهرجان كان السينمائى فى فرنسا، عندما انقطعت الكهرباء فجأة عن مدينة كان، سوى جرس إنذار لما تشكله الجماعات اليسارية المتطرفة من خطر داهم على المجتمع الفرنسى، والذين يسعون لتوصيل صوتهم عبر التفجير والتخريب، بل والتدريب لإشعال الفوضى. كان مهرجان كان السينمائى يستعد لختام حفلاته وعروضه فى مدينة كان، ولكن فى أقل من ثانية، توقف كل شيء، حيث انقطعت الكهرباء فجأة، مما أدى إلى إحداث حالة من الشلل، حيث توقفت إشارات المرور وأغلقت البنوك أبوابها، وتوقفت العروض، وهو ما شكل صدمة للسلطات بعد اكتشاف السبب. قبلها بساعات قليلة، انقطعت الكهرباء فجأة أيضا، بعدما أشعل مجهولون النار فى محطة كهرباء وخربوا برجًا للضغط العالى، مما جعل سكان 160 ألف منزل يعيشون في ظلام دامس لعدة ساعات، وفى رسالة على الإنترنت، كشف المخربون عن أنفسهم والأسباب التى دفعتهم للقيام بذلك. بحسب صحيفة لوفيجارو، أعلنت مجموعتان وصفوا بالمجموعات الأناركية عن مسئوليتهم عن الواقعتين، حيث يشير لفظ الأناركية إلى فلسفة سياسية تتلخص فكرتها فى أن الدولة وقيادتها غير مرغوب فيها وتضر المجتمع، ويسعى أصحابها دائما لتحجيم سلطات الدولة فى عدة ملفات داخلية وخارجية. فى رسالتهم أكدوا أن مهرجان كان يعتبر من وجهة نظرهم استعراضا للجمهورية الفرنسية المغرورة، التى تزرع الموت فى كل مكان، من اليمن إلى قطاع غزة، ومن أوكرانيا إلى منطقة الساحل، وزعموا أنهم دعاة حماية البيئة من المتطرفين ويدعمون دائما الحركات المدافعة عن المهاجرين. تشويه سمعة فرنسا وطالب الجناة فى رسالتهم التى نشرت على إحدى المدونات، بقطع الكهرباء عن صناعات التكنولوجيا العسكرية فى فرنسا، وعلى وجه الخصوص شركة تاليس، ومقرها مدينة كان، والتى تنتج عددًا كبيرًا من الأقمار الصناعية التى تستخدم عسكريا من قبل عدة دول أبرزها إسرائيل. وحذرت أجهزة الاستخبارات والأمن الدفاعى الفرنسى، من أفعال هذه الحركات المناهضة للعسكرة، التى تحاول تشويه سمعة صناعة الدفاع الفرنسية، وتقوم بعمليات تخريب واسعة، مشيرة إلى أنهم يتم استغلالهم سواء بوعى أو من غير وعى من قبل جهات فاعلة أو دول أجنبية لها مصلحة فى التخريب. ما حدث فى فرنسا أعاد إلى الأذهان عمليات التخريب الواسعة التى طالت جميع أنحاء فرنسا عشية الألعاب الأوليمبية قبل عدة أشهر، عندما خربوا عدة خطوط سكك حديدية لمنع نقل المشجعين والزائرين وحتى اللاعبين من الحضور والمشاركة فى الألعاب، حيث وجدوا فى الاحتفالية العالمية وسيلة لإظهار صوتهم. وخلال أحداث الألعاب الأوليمبية، هدم المتطرفون اليساريون الأسوار وأتلفوا كاميرات المراقبة والهجوم على المبانى التقنية، حيث استهدفوا عدة مواقع تابعة لشركات السكك الحديدية على مدار يومين، بخلاف تمكن السلطات الأمنية من إحباط محاولات أخرى من نفس النوع. ويرى خبراء الأمن، أن تلك الأعمال تكشف بلا شك عن صعود كبير للحركات الاحتجاجية العنيفة بشكل متزايد، حيث صنفت هذه المجموعات من قبل الاستخبارات باعتبارهم قسم من اليسار المتطرف، ونما حجمهم بشكل كبير وباتوا يغطون مجالات مختلفة من المطالبات البيئية إلى حقوق الحيوان، بخلاف مواقف معادية للتكنولوجيا والخطابات السياسية الداخلية والخارجية. تلك الاستراتيجية التى أطلق عليها استراتيجية الفوضى، وضعت من قبل فرنسيين وأجانب، وأصبح العنف بالنسبة لهم غاية وليست وسيلة، حيث يستعدون دائما ويتدربون لأجل ما وصفوه بالليلة الكبرى، وكشفت التحقيقات أن بعض المقبوض عليهم شارك فى القتال مع " أكراد روج آفا"، وهم فئة يسكنون فى شمال وشرق سوريا، يتمتعون بالحكم الذاتى ويحاولون إقامة دولة منفردة. العنف وسياسة البقاء ويستمد أفراد الحركات اليسارية المتطرفة منهجهم، وفقا ل"لوموند الفرنسية"، من العديد من الكتب، أحدها يسمى كتاب "دوار الشغب"، تم اكتشافه مع أحد المتورطين من هؤلاء عندما تم القبض عليه فى موقع لشركة سكك حديدية قبل محاولتهم تفجير القضبان. وتبين أن الكتاب يبرر فى محتواه التمرد الواسع النطاق على الدولة، كما تسهم كتب مرجعية أخرى فى غرس فكرة أساسية فى أذهان هؤلاء المتطرفين مفادها أن العنف هو شكل من أشكال البقاء وضرورة لإحباط الخطط المفترضة للدولة أو اللاعبين الرئيسيين فى منظومة الرأسمالية المستبدة، مثل كتاب "الصحراء" أو "كيفية تخريب خط أنابيب". وكشفت الصحف الفرنسية، عن أن مكتب الاستخبارات الفرنسى الوطنى، أصدر عدة مذكرات سرية بين يونيو 2021 ويناير 2024، حذر فيها من أن الأنشطة التى كانت فى الماضى تعتبر نظرية بالنسبة لهؤلاء مثل كيفية البقاء على قيد الحياة والدفاع عن النفس والإستعداد للقتال، باتت الآن تترجم على أرض الواقع بشكل متزايد خلال السنوات العشرة الماضية. وخلال تلك الفترة، أنشئت معسكرات تدريب من قبل القائمين على تلك الحركات فى العديد من أراضى التراب الفرنسى، حتى أنه فى أحد تلك المعسكرات كان يقوم المتطرفون بعمل محاكاة للتمرد الكبير فى إحدى مناطق الغابات، مما أدى إلى دمار واسع وأضرار جسيمة فى النباتات المحلية. وفى نوع آخر، تراقب أجهزة الاستخبارات أيضا عشرات الناشطين المتورطين بشكل خاص فيما يعرف باسم مجتمع الأيرسوفت، وهى ممارسة تتكون من محاكاة المواجهات العسكرية باستخدام أسلحة نارية مقلدة تطلق حبيبات بلاستيكية، وينظمون ألعاب عنيفة للغاية فى منطقة باريس على ملعب أيرسوفت. وأكد الخبراء أنه لم يعد يسير شيء على ما يرام بالنسبة لتلك الجماعات المتطرفة، مشيرين إلى أنهم لم يعودوا يلعبون، بل يتدربون للفوضى، ويستخدمون أسلحة غير قانونية ومتفجرات وقنابل دخان، حتى أن بعضهم بدأ فى استخدام طائرات بدون طيار مستوحاة مما يحدث فى الحرب الأوكرانية، بمعنى آخر يستعدون للكفاح المسلح، وانتقدوا علم الاستخبارات الإقليمية بمثل تلك الأمور، ولكنهم لا يتحركون. اقرأ أيضا: فرنسا.. القبض على 7 إيطاليين ينتمون لجماعة يسارية متطرفة