قرار الطلاق بعد سن ال60 من أصعب القرارات التي قد يضطر الإنسان لاتخاذها لعدة أسباب نفسية واجتماعية وصحية، فالقرار وقتها لا يكون نتيجة تهور أو تحت ضغط مُعين، بل بناء على نضوج كامل على كافة المستويات يدفع الفرد للإصرار عليه نهائيًا وبلا رجعة فيه، مهما تعرض لضغوط المحيطين، لكن ربما تكون سنوات العشرة هى كلمة السر، التى قد تحل عقدة استحالة الحياة التى سببها تراكم الخلافات، وهذا ما أثبته تراجع أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول نسبة المطلقات فوق سن ال60، ففى 2023 بلغ عدد الإشهادات 172 إشهاداً بنسبة 0٫1٪ بعد أن بلغ 1637 إشهادًا في 2022 بنسبة 0٫7% من جملة الإشهادات. إطالة فترة الزواج ليست دليلًا على نجاحه، كما أنها ليست مؤشرًا على صعوبة احتمال حدوث الطلاق، فيُمكن بعد مرور عقود تصل ل30 عامًا على الزواج، أن يُعاد تقييم العلاقة، وإما أن يقع الطلاق أو يختار الشريكان أن يعيشا معًا تحت سقف واحد كمنفصلين، حفاظًا على الأبناء أو لحين تزويجهم واستقرارهم ثم يحدث الانفصال بشكل مفاجئ فى نهاية المطاف، فبعد رحلة الانشغال فى تربية وتنشئة وتعليم وتزويج الأبناء، والتى تخفى فى طياتها عثرات ومنغصات، يولد الشعور الدائم بعدم الرغبة فى البقاء بعلاقة سيئة مهما تقدم به العمر أو أن يجد الشخص نفسه فريسة للإحساس بالرفض ويحتاج نمطا آخر من الحياة يلبى احتياجاته بشكل مختلف، الأمر الذى لا يتقبله الطرف الآخر. ◄ مشاهد! هناك مشهد قصير من مسلسل «ضل راجل» جسد الحنين الذى بدأ يشعر به الأب لمنزله وزوجته المُسنة، التى طلقها وتزوج بفتاة شابة فى الشقة المقابلة لها لكى يكون بجوار ابنته من ذوى الهمم، ويساعدها إذا احتاجت إليه فى غياب زوجته، وبعد فشل زواجه الجديد ظل يتذكر حياته مع أسرته، وأنها مهما كانت مليئة بالمشكلات إلا أنها كانت تتسم بالإخلاص له، فعاد لزوجته الأولى بعد أن وجد نفسه غير مقبول اجتماعيًا، ولن يتحمل العيش وحيدًا. وتلك السيدة الستينية، التى طلبت الطلاق من زوجها، الذى يكبرها بخمس سنوات كرد فعل لحالة السلبية التى تراها فى التعامل مع مشكلة طلاق ابنته، وعندما وقع طلاق ابنتها دخلت فى حالة صدمة نفسية صعبة لأن زوجها استهان برغبتها فى عدم تطليق الابنة، ولم تكن تلك المرة الأولى التى يُهمش فيها زوجها رأيها، بل كانت تُعانى من ممارسة هذا الأسلوب معها عند مُناقشة أى مُشكلة، وطلبت إثر ذلك الطلاق، إلا أنها بعد فترة على مرور تلك الأزمة، وتدخل أفراد العائلة بالنصيحة، والتأكيد على أنهما يستحيل أن ينفصلا، بعد أن عاشا معًا سنوات طويلة، واعتبارًا لقيمة العشرة، عادت مرة أخرى. ◄ اقرأ أيضًا | «مهووس باللعب مع الأطفال في الشارع».. سيدة تطلب الطلاق من زوجها ◄ انطلاق الرمادي الدكتورة سامية الساعاتى، خبيرة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ترى أن مُصطلح «الطلاق الرمادي» بدأ يُستخدم عالميًا مع انتشار الظاهرة، فقد أطلق هذا المصطلح فى البداية بالمجتمع الأمريكي، نسبة لحالات الطلاق التى تحدث بين الأزواج الذين تجاوزوا سن الخمسين، سواء كان ذلك بعد سنوات طويلة من الزواج أو بعد مرحلة جديدة من الحياة كالتقاعد أو مغادرة الأبناء للمنزل، وخلال العقدين الأخيرين تضاعفت نسب الطلاق بين كبار السن فى العديد من الدول، رغم أن مُعدلات الطلاق بين الفئات العمرية الأصغر، بدأت بالانخفاض، هذا الانقلاب فى التوجهات يُعد مؤشرًا واضحًا على التغير العميق فى الأعراف، وتلاشى المفاهيم السائدة بالعلاقات الأسرية طويلة الأمد، حيث بلغت نسبة إشهادات الطلاق للمُسنين نحو 10.4% من إجمالى إشهادات الطلاق عام 2022. ◄ حالة! وتحكى الساعاتى، عن إحدى الحالات التى قابلتها خلال إعدادها دراسة بعنوان «الاختيار للزواج والتغيير المُجتمعى»، والتى كانت لطبيب كان يستكشف مكان زوجته فى المنزل بعد الطلاق ليتأكد أنه تخلص بالفعل من علاقته الزوجية للأبد، وأنها لم تكن قصة خيالية أو نفسية، فيتأكد يوميًا من فراغ مكانها بأرجاء المنزل، حتى يقتنع أنه نفذ قرار الطلاق المؤجل منذ سنوات طويلة، ولم يوقفه سوى انتظاره حتى يطمئن على مستقبل أبنائه، وعدم انهيار كيان الأسرة، فبعد زواج استمر 25 عامًا، لم يستطع التحمل ولا دقيقة أخرى، بعد أن وجدها تغالى فى طريقة معاملته السيئة، خاصة أمام العاملين فى المنزل، كما لم يمنعها كبر سن أبنائها من تذكيره دائمًا بأن الزواج منه لم يكن طموحها، وأنها كانت تستحق حياة أخرى. وتشير إلى أن تلك الحالة وغيرها قد مرت بعدة محطات فى بداية الزواج بعدم الشعور بالرضا عن علاقته الزوجية، وتمثل المحطة الأولى بعد السنة الأولى من الزواج، والمحطة الثانية بعد سبع سنوات والتى تسمى «هرشة السنة السابعة»، فان لم يستطيع أن يحسم قراره من البقاء خلال هذه المراحل، واستمرت مُسببات تدعيم إحساسه بعدم الرضا يزداد تمسكًا بقرار الطلاق فى أعماق نفسه، إلا أنه تكون هناك محاولات للتوافق من المحيطين بضرورة الاستمرار لأسباب مُتعددة مما يتيح بيئة جيدة لتسلل الرتابة بكل درجاتها، والتى يختلف البشر فى قوة تحملها، فتكون الحياة قنبلة موقوته تجعل عملية رد الفعل غير متوازية بل مختلفة بين الطرفين، ليُفاجأ أحد الأطراف باتخاذ قرار الانفصال سواء بعد 15 أو 20 عامًا ورُبما أكثر. وتختم، بأن المؤشر الحقيقى لنجاح الزواج هو مدى التوافق وليس عدد السنوات، وتؤكد أن قرار العودة مرة أخرى الى الحياة الأولى يكون نادرًا لأن سنوات العشرة لا يُقدرها معظم الناس، خاصة فى المجتمع المصرى، وقد تكون معظم حالات العودة نتيجة ظروف صحية أو اجتماعية أو مادية. ◄ انفصال المشاهير الدكتور علي بهنسي، خبير الطب النفسي، يقول إننا نشهد مؤخرًا انفصال عدد من الأزواج المشاهير بعد عقود من الزواج ويشير إلى أحد نجوم الفن ويقول: لقد انفصلا بعد مرور 26 عاما على الزواج، مما لفت الانتباه إلى أن وقوع الطلاق بعد عمر طويل من العشرة لم يعد أمرًا صعبًا أو غريبًا، فرغم أن هذه الشخصيات تملك موارد مالية هائلة تجعل من الطلاق أقل تكلفة من الناحية العملية لكن هذا لا يقلل من الوزن العاطفى والنفسى للقرار، وهو ما يؤكد أن هذه الظاهرة لا تتعلق فقط بالمشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية بل أيضًا بتغيرات عميقة فى الرؤية الذاتية لطبيعة العلاقات. يُضيف، أنه بعد تجاوز ال50 عامًا من المفترض أن يصل الإنسان لمرحلة النضوج الفكرى، وليس السلوكى، والتى تسمى «التسامى مع النفس» أى عملية قبول الذات بكافة التجارب السابقة، لكن قد لا يصل إليها البعض نتيجة لما كان يتعرض له من ضغوط نفسية مُتتالية، والتعامل معها بدون رؤية مُستقبلية، فيولد الشعور بالحاجة لإنهاء هذه الحياة، وبدء العيش فى حياة بطريقة جديدة، مما يدفعه لتغيرات شديدة، وكأنها محاولة لإيجاد النفس، ثم يكتشف أن قراراه كان اندفاعيًا، وكانت محاولة فاشلة لإثبات الذات، ليست بوقتها ولا سنها، وهذا يتوقف على أسباب جينية ونفسية وبيئية، تُسمى اضطرابات السلوك الوجدانى أو اضطرابات الاكتئاب التي يُصاب بها كبار السن كأعراض لمرض الشيخوخة أو الفراغ أو العيش فى أجواء متوترة أو طبيعة شخصيته، بينما فى حالة الانفصال بلا عودة بين كبار السن، فإنه قمة النضوج الشخصي للفرد لأنه وجد الفرصة لإيقاف تحمل الإساءة من وجهة نظره بأن يُصر على ترك هذه العلاقة للأبد. ◄ أبغض الحلال الشيخ على خليل، أمين عام هيئة كبار علماء الأزهر الأسبق، يقول إن هناك العديد من الحالات الواقعية لنماذج من الانفصال والطلاق لكبار السن لديهم أحفاد فى سن الزواج، ورغم أنه أبغض المُباح، فليس شيئًا من الحلال أبغض عند الله من الطلاق، لما يترتب عليه من آثار خطيرة، لكن إذا وقع لا يأثم به الشخص، وإذا كان لأسباب وظروف خارجة عن إرادته، وضاقت به السبل، إلا إذا أوقعه مُتعنفًا وتعمد إيقاع الضرر بالطرف الآخر. ويتابع: «لكن بعيدًا عن الأسباب المُعلنة أو الخفية، من الواضح أن طلاق من هم فوق الستين والسبعين جزء أساسى منه خلو منزل الزوجية من الأبناء، إما لزواجهم أو سفرهم، ليعيش الشريكان وحيدين، كلاهما يضع الآخر تحت المجهر بعد سنوات من الانشغال فى العمل والتربية، لتبدأ مرحلة تقييم العلاقة ولو بعد الكِبر». ويختتم: «قد ينجح الأهل والمقربون كحكم من أهليهما فى إصلاح ذات بينهما بشروط اجتماعية تتناسب وطبيعة المرحلة، وبحكم العديد من الأسباب التى يمكن أن تغفر ما سلف من خلافات، لكى لا يُصاب كثيرون بالصدمة»، مشددًا على أن فئة كبار السن كان يُنظر لها باعتبارها مثلا أعلى وقدوة فى الترابط الزوجى فتكون رسالة سلبية للأزواج الشباب الذين يتخذون من الزيجات طويلة المدى نموذجا مقدسا فى الحفاظ على كيان الأسرة والتعايش المستدام.