كتب :سامح فايز «ويل للعرب من شر قد اقترب»، كلمات من حديث شريف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان عماد أحدث مؤلفات الطبيب والروائى أسامة عبد الرؤوف الشاذلى؛ رحلة بدأت مع المؤلف قبل زمن ربما امتد إلى الطفولة، عندما انشغل عقله بقصة عهدتها آذاننا فى المساجد حين خطب فينا الأئمة عن يأجوج ومأجوج. يخبرنا الأهل بضرورة قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة من كل أسبوع حتى يظل السد القائم بينا وبينهم. يسبح عقل الطفل والمراهق خلف ذلك العالم الأسطورى متخيلا أشرطة الساعة الصغرى والكبرى: المسيخ الدجال، يأجوج ومأجوج... اللافت أنه انشغال لم يختص به المسلمون فقط؛ بل امتد إلى الديانات السماوية الأخرى، فنجد يأجوج ومأجوج وقد ذكر حديثهم فى اليهودية، والمسيحية. وإن لم يكن بنفس التفاصيل، لكن اتفق الجميع أن هناك قوما إذا نزلوا بمكان أكلوا الأخضر واليابس يسمون يأجوج ومأجوج، وأنهم سيظهرون فى آخر الزمان بين أشرطة الساعة الكبرى. اقرأ أيضًا | الأديب أسامة عبد الرؤوف الشاذلى على مائدة « أخبار اليوم »: الرواية التاريخية لا تنفصل عن الواقع اللافت فى كتاب أسامة الشاذلى أنه اتخذ منهجا فى التحليل اعتمد على اللغة فى المقام الأول، فى محاولة لاستكشاف عالم يأجوج ومأجوج الغامض. وخلال رحلته فند جميع الروايات الأخرى التى تناولت قصتهم، وهل هم بشر مثلنا من أبناء سيدنا آدم، أم أنهم شىء آخر؟ وأين مكان السيد، هل فى الشرق أم الغرب؟ وما قصة الكتابات التى أكدت ظهورهم بالفعل؟ وما علاقتهم بالتتار وحروب المغول؟ عدم وجود نص قطعى فى مسألة يأجوج ومأجوج فتح باب الاجتهاد أمام كل باحث طالما ملك أدوات البحث العلمى والمنهجى، وهى المسألة التى تناولها أسامة الشاذلى فى مقدمة كتابه الصادر حديثا عن دار «الرواق»، مشيرا إلى أنه نشأ فى بيت عالم أزهرى وأستاذ بجامعة الأزهر، وأنه قرأ كتابه على الوالد الذى راجعه فى كل تفاصيل الكتاب، وفى الرؤية التى يطرحها الشاذلى، التى لم يسبقه إليها أحدهم؛ فى اعتبار أن يأجوج ومأجوج ليسوا بشرا، وأنه قصد بهم البراكين والفيضانات أو ما عرف بموجات «التسونامى». لكن وقبل أن يعرض المؤلف اجتهاده فى المسألة قدم شرحا وافيا لقصة يأجوج ومأجوج من القرآن والسنة اعتمد خلاله على ذكر الأحاديث الصحيح فقط، لافتا إلى أنه من بين 250 حديثا عن يأجوج ومأجوج لم يتفق الشيخان والبخارى ومسلم سوى على حديثين فقط أوردهما المؤلف، الأول حديث «ويل للعرب» والثانى حديث «بعث النار». حديث «ويل للعرب» عن أم المؤمنين زينب بنت جحش - رضى الله عنها - قالت: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما فزعا، محمرا وجهه، يقول: «لا إله إلا الله. ويل للعرب من شر قد اقترب. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه»، وحلق بإصبعه الإبهام، التى تليها. قالت فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم. إذا كثر الخبث». وفيه تروى السيدة زينب بنت جحش أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عليها فزعا، وقد يكون لرؤيا رآها فى المنام كما ورد فى رواية أخرى، وقال: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب». وكلمة ويل: تعبير يعنى حلول الشر أو الهلاك. وقد قال ابن حجر العسقلانى فى كتاب «فتح البارى» شرح صحيح البخارى: إنما خص العرب بالذكر لأنهم أول مَن دخل الإسلام، وللإنذار بأن لافتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم». وذهب بعض الشراح إلى أن المراد بالشر هو وقوع الفتن على وجه العموم، ولكن ظاهر الحديث ينص على أن الشر الذى قصده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو حدوث فتحة فى ردم يأجوج ومأجوج بمقدار الحلقة بين إصبعى السبابة والإبهام. حديث «بعث النار» عن أبى سعيد الخدرى - رضى الله عنه - قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله عز وجل: يا آدم! فيقول: لبيك! وسعديك! والخير فى يديك! قال يقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. قال فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد. قال فاشتد ذلك عليهم. قالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الرجل؟ فقال أبشروا. فإن يأجوج ومأجوج ألفا. ومنكم رجل. قال ثم قال: والذى نفسى بيده! إنى لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: والذى نفسى بيده! إنى لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة. إن مثلكم فى الأمم كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الأسود. وبداية من شرح حديث بعث النار أوضح أسامة الشاذلى رؤيته التى اعتمدها فى تفسير قصة يأجوج ومأجوج أنهم ليسوا بشرا، ثم سينتهى به المقام فى نهاية مؤلفه بعد عرض العديد من الأدلة المبنية على التأويل والتفسير اللغوى لحقيقة يأجوج ومأجوج. يقول الشاذلى فى شرح الحديث: «وقد ذهب البعض إلى أن المقصود بقوله: «بعث النار» المبعوثين إلى النار من الكفرة والجاحدين، وقد يقصد به أيضا كل ما يلقى فى النار ليؤجج نيرانها. ففى المعجم الوسيط «البعث» هو الإحياء، أو الإيقاظ، وأنا أميل إلى المعنى الثانى، والدليل على ذلك أن الرواية الأولى لأبى سعيد الخدرى تتحدث عن «بعث النار» فى مجمله، أى من ذرية آدم ومن غيرها، ولهذا حين قال الله عز وجل: «أخرج بعث النار» كان الاستفسار من آدم بقوله: «وما بعث النار؟»، و«ما» يستفهم بها عن غير العاقل. أما فى رواية أبى هريرة، فقد قيل له: «اخرج بعث جهنم من ذريتك»، ولهذا كان رد آدم واضحا فقال «كم أخرج؟»، ولم يذكر فيها يأجوج ومأجوج. ومقارنة الروايتين توضح أن يأجوج ومأجوج من بعث النار، ولكن ليس شرطا أن يكونا من ذرية آدم. وقد يتساءل أحدنا وهل فى النار أشياء أخرى غير البشر؟ والإجابة نعم. فالنار بها الحجارة، يقول تعالى: (فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)، وفيها الأًنام والأوثان وكل ما يعبد من دون الله، يقول تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون* لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون). وفيها كذلك المهل: يقول تعالى: (كالمهل يغلى فى البطون)، وقيل «المهل هو النحاس المذاب».. وخلاصة القول فى الأحاديث المتفق عليها أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يبين لنا مَن هم يأجوج ومأجوج، ولم يصفهم، ولم يبين لنا ما جنسهم، وعلى هذا اعتمد أسامة الشاذلى فى رحلته بحثا عنهم، أن الباب مفتوح للتأويل، مستخدما اللغة منهجا للتأويل وشرح المرادفات اللغوية بدءا من اسم يأجوج ومأجوج مرورا بتناول الأحاديث والأيام القرآنية مقدما تصورا أظن أنه أول مَن قدمه فى تلك القصة. لكن يظل الباب مفتوحا للاجتهاد، بيد أن ما قدمه الشاذلى يعتبر أكثر تأويلا مقبولا منطقيا حتى الآن، فند خلاله غالبية الروايات التى اعتمدت على الخرافات سابقا وظل يرددها بعض الباحثين عن الجدل والانتشار من باب التواجد ولفت انتباه الناس.