مع التطور التكنولوجى المتسارع، ودخولنا عصر الذكاء الاصطناعى الذى يشهد قفزات مذهلة ومخيفة نحو المستقبل، مما يجعلنا أمام تحدٍ وجودى يهدد الإنسان وكيانه.. خاصة وأن الذكاء الاصطناعى لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبح شريكًا فى اتخاذ القرار فى الإعلام، والتعليم، والطب، والفنون، ولديه القدرة على التفكير والتعلم والتفاعل. على أية حال أصبحنا نعيش وسط خوارزميات تتقن لغتنا وتستوعب مشاعرنا وتنافسنا فى الإبداع.. وهذا مكمن الخطورة، وهو ما يجعلنا نعيد تقييم جوهرنا كبشر، ونقف أمام سؤال غاية فى الأهمية، هل تظل العاطفة، الحدس، والضمير الأخلاقى، هى الحدود الفاصلة بين الإنسان والآلة؟! أم أن هذه الفوارق بدأت تتلاشى فى ظل أنظمة تحاكى المشاعر وتفهم السلوك البشرى؟. الإجابة على هذا السؤال تجعلنا نعود للإنسان بتعقيداته، فهو لا يختزل فى التفكير أو المعرفة، إنما هو كتلة من المشاعر، والضعف، الشك، الإلهام، الرحمة، الحب، أى أن جوهر الإنسان ليس فى عقله فقط، بل فى قلبه، وهى تلك اللحظات التى لا تفهمها الآلة. «دمعة أم تودع ابنها، نظرة أمل فى عين طفل مريض، صوت يرتجف من الفرحة»، وهذه الأشياء لا يمكن وضعها فى خوارزميات.. ورغم ذلك فإن الذكاء الاصطناعى يقترب شيئًا فشيئًا من تقليد هذا الجوهر دون أن يملكه، إنها محاكاة لا تجربة، وهنا يكمن الخطر، حين نعطى القرار للآلة، ونقصى الإنسان من معادلة القيم والأخلاق، فإننا لا نخسر وظائف فقط، بل نخسر الإحساس بالمسئولية، نخسر البوصلة التى توجهنا نحو الرحمة والعدالة. إن العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعى يجب ألا تكون صراعًا على البقاء، بل شراكة تعزز القدرات البشرية وتفتح آفاقًا جديدة للإبداع والتقدم. وفى المطلق يظل الإنسان مسئولًا عن تحديد شكل العلاقة مع هذه التكنولوجيا، وكيفية توجيهها لخدمته لا استعبادة، فنحن من نمنح المعنى للأشياء، فالآلة قد تكتب قصيدة شعرية، لكنها لا تبك إن قرأتها، نحن من نبكى، من نحب، من نحلم.. باختصار إما أن يكون الإنسان سيدًا لهذه التكنولوجيا أو تابعًا لها. عمومًا نحن أمام ذكاء اصطناعى يهدد بتفريغ العالم من الإنسانية، وأن التحدى الأكبر هو أن نتمسك بما يجعلنا بشرًا، لا أن ننافس الآلة فى سرعتها، بل إن نستعيد بطئنا الجميل، تأملنا، تعاطفنا، وشجاعتنا فى أن نخطئ ونتعلم لأن الإنسانية فى النهاية ليست كفاءة بل روحًا.